التغيرات الاجتماعية للتعليم الرقمي

د. أمل صالح سعد راجح
أستاذ مشارك/ قسم علم الاجتماع/ كلية الآداب/ جامعة عدن:
يشهد عالمنا المعاصر تغيرات عديدة لامست جوانب مختلفة من حياتنا، ان كان على المستوى الشخصي والأسري مرورا بحياتنا المهنية والعملية، واصبحت هذه التغيرات سمه بارزة في عصرنا الراهن، من تلك التغيرات شيوع التعليم الرقمي واستخدام التقنيات الرقمية التي كانت لها إيجابيات عديدة اثرت على المنظومة التعليمية من حيث الاعتماد الذاتي من قبل المتعلم، وعدم التركيز على المعلم وأيضا اكتساب العديد من المعارف والمهارات وإتاحة الفرصة للعديد من الافراد خوض غمار البحث والمعرفة.
من هنا يتوجب علينا أولا معرفة ما هو التعليم الرقمي وما التغيرات الاجتماعية للتعليم الرقمي على المستوى الشخصي أو على المستوى الاجتماعي ان كان في الجانب الأسري والتربوي والاقتصادي وغيرها من مجالات الحياة المختلفة التي أصبح للتعليم الرقمي دور فيها.
يُعرف التعليم بأنّه عملية منظمة تهدف إلى اكتساب الشخص المتعلم للأسس العامة البانية للمعرفة، ويتم ذلك بطريقة منظمة ومقصودة وبأهداف محددة ومعروفة، ويمكن القول أن التعليم هو عبارة عن نقل للمعلومات بشكل منسق للطالب، أو أنّه عبارة عن معلومات، ومعارف، وخبرات، ومهارات يتم اكتسابها من قِبَل المُتلقّي بطرق معينة. أما مصطلح الرقمي يعني في اللغة الأرقام أو العلامات وهي تقاس بها درجة التغيرات ويمكن استخدامها ابضا للإشارة الى الأنظمة الرقمية والتقنيات الحديثة المتعلقة بالحوسبة والانترنت والشبكات الحاسوبية وغيرها[1]
يعد مصطلح التعليم الرقمي (Digital learning) مصطلح شامل، ينضوي تحت مظلته أي نوع من أنواع التعليم التي تتضمن استعمال التكنولوجيا الرقمية. ويشمل ذلك الدورات التدريبية التي تُستخدم فيها وسائل رقمية بشكل جزئي. وكذلك الأبحاث التي يجريها الطلاب على الإنترنت أو مشاهدتهم مقاطع عبر المنصات التي تعرض الفيديوهات حتى لو كان ذلك في الفصل الدراسي. كما يشمل استخدام الأدوات الرقمية مثل السبورات الذكية والأجهزة اللوحية والهواتف وغيرها[2].
ايضا هو تطبيق التقنيات بشكل فعال بما يمكن المتعلم من أن يركز على التعليم وتحقيق النجاح الدراسي. حيث يحاول التعليم الرقمي تغيير التعليم من أساسه القديم إلى تعلم يفسح المجال للمتعلم أن يستفيد من أكبر كمية من التعليم وكيفية عرض المعلومات التي يتعلموها ويشمل التعلم الرقمي برمجيات التهيئة والمحتوى الرقمي عالي الجودة والوصول السريع للإنترنت واستخدام نظم المعلومات والهدف الأساسي هو تحول التعلم المرتكز على المعلم وجعل المتعلم مركز التعليم ومساعدة المتعلم للتحول نحو التعلم الذاتي وتسهم في وضع الأفضل في كل طريقة أو نموذج التعلم كما يركز على احتياجات المتعلمين كما أن لديه الفرص للتعامل مع المعلم لإعادة الدروس
إذا التعليم الرقمي يتم في إطار المنظومة التعليمية أو خارجها ويعتمد على تكنولوجيا رقمية تتيح للطالب أو الباحث من التزود بكم من المعرفة المطلوبة، وميزة هذا النوع من التعليم انه يعزز في الفرد التعلم الذاتي والاستقلالية، ويمكن ان تستفيد منه مختلف الشرائح المجتمعية وخصوصا فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويختلف التعليم الرقمي عن التعليم الإلكتروني، حيث ان التعليم الالكتروني المعروف كذلك بالتعليم الافتراضي، فدلالاته تشير إلى الدورات التدريبية التي تنعقد فعالياتها بالكامل على شبكة الإنترنت حصرًا، أي لا يقابل المعلم المتعلم على أرض الواقع مطلقًا خلال مسار الدورة. حيث تكون جميع جوانب الدورة مغطاة عبر الشبكة العنكبوتية، وذلك من خلال المنصات التعليمية التي تستضيف دورات تدريبية مسجلة، أو القاعات الافتراضية التي تتضمن مزايا الدردشات النصية والاتصال بالصوت بالصورة.
نشأة التعليم الرقمي
تعد الثورة الرقمية ثالث ثورة صناعية يعرفها العصر الحديث، ويرى جيرمي ريفكن في كتابه “الثورة الصناعية الثالثة”، “أننا نكون إزاء ثورة صناعية تجديدية، عندما يقترن الانتقال من استخدام مصدر للطاقة إلى مصدر آخر من خلال ظهور شبكة جديدة من الاتصالات”[3] من هذا المنظور، يمكن التمييز بين ثلاث ثورات عرفها العالم المعاصر:
فالثورة الصناعية الأولى، قامت على الطاقة المتولدة من الفحم الحجري، وإنشاء شبكات السكك الحديدية والملاحة البحرية، وفي الثانية، تم اكتشاف طاقة النفط والكهرباء، فنشأت شبكتا النقل الطرقي والاتصالات السلكية واللاسلكية. وفي الثورة الحالية ظهرت شبكة جديدة هي الإنترنت، ويجري العمل الآن على استبدال الطاقة الأحفورية بموارد نظيفة جديدة، كالرياح والماء والشمس[4].
ويمكن تتبع مراحل نشأة التعليم الرقمي بالآتي:
في السبعينيات والثمانينيات: بدأت أولى محاولات التعليم الرقمي عن طريق استخدام الحواسيب في التعليم التقليدي، حيث كان يتم استخدام البرمجيات التعليمية كجزء من المناهج الدراسية في المدارس والجامعات.
في التسعينيات: مع انتشار الإنترنت، بدأت الجامعات والمؤسسات التعليمية في تقديم دورات تعليمية عبر الإنترنت. كانت هذه الدورات غالباً ما تكون بسيطة وتعتمد على النصوص والتمارين التفاعلية.
اما في الألفية الجديدة: شهد التعليم الرقمي طفرة كبيرة مع تقدم تقنيات الإنترنت وزيادة سرعة الاتصال. بدأت الجامعات والمنصات التعليمية في تقديم دورات متكاملة عبر الإنترنت تشمل الفيديوهات والمحاضرات المباشرة. أما في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين: ظهور المنصات الكبرى مثل كورسيرا، يوديمي، وإيديكس، التي قدمت التعليم المفتوح عبر الإنترنت بشكل موسع ووفرت محتويات تعليمية متقدمة من أفضل الجامعات حول العالم.
في الحاضر: أصبح التعليم الرقمي جزءاً لا يتجزأ من النظام التعليمي في العديد من الدول. يتم تقديم الشهادات الأكاديمية كاملة عبر الإنترنت، وهناك توجه كبير نحو التعليم المدمج الذي يجمع بين التعليم التقليدي والتعليم الرقمي.
أهمية التعليم الرقمي
أولا: في الجانب الاقتصادي، سواء الاقتصاد في الوقت أو الاقتصاد في بناء المدارس والجامعات الذي يوفره التعليم عن بعد.
ثانيا: يقوم التعليم الرقمي على مفهوم التعلم الذاتي وهو ما كانت تسعى إليه النظريات التربوية الحديثة، كما أشرنا سابقا، والذي أصبح تحقيقه أسهل مع التعلم الرقمي من خلال الإنترنت ووسائل الاتصال الذكية، الأمر الذي يوفر للطالب فرصة البحث والاجتهاد والاعتماد على النفس.
ثالثا: تعزيز الجانب الثقافي، من خلال توسيع آفاق البحث الثقافي التي يتيحها الإنترنت وبالتالي تنمية الفضول المعرفي لدى الطلاب.
رابعا: التعلم مدى الحياة، ذلك الهدف الأسمى الذي سعت إليه النظريات التربوية الحديثة، على اعتبار أن عملية التعلّم لا تتوقف وتجديد المعارف وتطويرها أمر ضروري من أجل بناء مجتمع المعرفة والبقاء فيه، وهو المكسب الذي يمكن أن يحققه التعليم الرقمي لطبيعته المختلفة والتي جعلته معرفة نقالة يحملها الإنسان أينما ذهب ويسألها وقتما شاء[5]
أيضا تكمن أهمية التعليم الرقمي ففي الوقت الذي نجد فيه التعليم التقليدي مازال يتمحور حول الأستاذ في عملية تلقينية قائمة على الحفظ، أصبحنا في التعليم الرقمي أمام مفهوم جديد للتعليم والتعلّم تتحول فيه علاقة الأستاذ بالطالب من علاقة تبعية مطلقة إلى عملية تشاركية يتحول المعلم فيها إلى مرشد ومصاحب للعملية التربوية، تاركا للتلميذ مهمة البحت عن المعلومة، لأن جُل المعلومات أصبحت موجودة على الإنترنت، وهو ما يؤهل التلميذ للاعتماد على النفس، ويُنمّي لديه حب المعرفة، وطرح السؤال، ويؤهله لتطوير مَلَكَاتِه العقلية الأساسية، كالفكر النقدي والتحليل والمقارنة والاستنتاج وغيرها من الآليات الفكرية التي تساعده على بناء شخصيته المستقلة[6].
التغيرات الاجتماعية للتعليم الرقمي
يمكن للإشارة الى التغيرات الاجتماعية على أنها الأوضاع الجديدة التي تطرأ على بناء المجتمع ووظائفه وتتضمن تغييراً في النظم والمعايير المحددة لأدوار الأفراد في المجتمع. وبناءً على ذلك فقد تعددت المفاهيم الخاصة بالتغيرات الاجتماعية، فينظر كنجزلي دايفز للتغير الاجتماعي على أنه الذي يحدث في بناء التنظيم الاجتماعي ووظائفه، وهو جزء من التغير الثقافي الواسع الذي يصيب المجتمع.
فمفهوم التغير الاجتماعي هو العملية المستمرة والتي تمتد في فترات زمنية متعاقبة يتم خلالها حدوث تعديلات واختلافات في العلاقات الإنسانية أو في الأدوار الاجتماعية أو في المؤسسات والتنظيمات[7].
من هنا يستوجب معرفة التغيرات الاجتماعية التي صاحبت نشأة التعليم الرقمي والناتجة عنه من هذه التغيرات:
أولا: التغيرات على المستوى المجتمعي:
- حدوث حالات الطوارئ:
من التغيرات الاجتماعية لاستخدام التعليم الرقمي حدوث حالات الطوارئ مثل الأوبئة أو الكوارث الطبيعية، لان من ميزة التعليم الرقمي يمكن أن يستمر بدون انقطاع، مما يضمن استمرارية التعليم في الظروف الصعبة. فقد أدت جائحة كرونا الى زيادة الاهتمام بالتعليم الرقمي واشراكه في العملية التعليمية كما عقدت العديد من المؤتمرات في مؤسسات التعليم العالي ان كان على المستوى الدولي او المحلي والتي سلطت الضوء على أهمية هذا النوع من التعليم، (ففي عام 2020 نظمت الجامعة الامريكية في بيروت مؤتمر حول التعليم الرقمي في لبنان، ركز على الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص، وفي عام 2022م نظمت جامعة هارفارد مؤتمرا دوليا حول (التحول الرقمي في التعليم العالي ومستقبل العمل) ويتناول هذا المؤتمر تحليل التحول الرقمي في التعليم العالي وتأثيره على مستقبل العمل وكيفية تطوير برامج التعليم العالي لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة)[8]
- الحاجة إلى التوعية حول القضايا المجتمعية:
برزت على الساحة المجتمعية الحاجة للتعريف بالقضايا التي تدور على المستوى المحلي مثل حملات التطعيم والوقاية من الفيروسات المعدية حيث تؤدي الكورسات المختلفة الى زيادة وعي افراد المجتمع حول الامراض المختلفة. لذا برز التعليم الرقمي كأحد الآليات التي تستخدمها المجتمعات لتلبية احتياجاتها وما يحدث في بيئتها من تغيرات.
كما أن دعم الثقافة المجتمعية للتحول نحو التعليم الرقمي يُعد عنصراً حيوياً لضمان تقبل المجتمع لهذا النمط الجديد من التعليم. فالكثير من المجتمعات العربية لا تزال تتشبث بنماذج التعليم التقليدي وتعتبر التعليم الرقمي غير مألوف أو أقل موثوقية. ففي دراسة حديثة، أفاد حوالي 60% من الأسر في بعض الدول العربية بأنهم يفضلون التعليم التقليدي على الرقمي، وهو ما يكشف عن تحدٍ ثقافي يتطلب تغييراً في المواقف المجتمعية. مُعالجة هذا العائق من خلال الحملات التوعوية الواسعة يمكن أن تسلط الضوء على فوائد التعليم الرقمي في تنمية المهارات، وفتح أفق جديد للتعليم يتيح مرونة وملاءمة أكثر للحاجات التعليمية المتغيرة. الالتزام الجماعي من المؤسسات التعليمية، والقطاع الإعلامي، وكذلك من الجهات الحكومية مُتطلب استراتيجي لضمان نقل رسالة مُوحدة تبرز أهمية هذا التحول.
- الافتقار الى الحصول على المعرفة الكافية في البيئة المحيطة بالأفراد:
نجد ان الافراد قد لا يتحصلون على المعرفة في بيئاتهم المحلية، لذا فالتعليم الرقمي يوفر الحصول على المعرفة بكافة أنواعها، حيث يمكن الأشخاص من الالتحاق بالدورات والورش التدريبية ويستفيدون من معلوماتها.
- تنمية المجتمعات الريفية والنائية:
تولي الدول والمجتمعات التنمية الريفية والنائية جل اهتمامها، حيث شهدت هذه المجتمعات تغيرات عديدة رغبه في تطوير بيئاتها ان كانت ساحلية او زراعية او جبلية، وقد يرافق عملية تنمية هذه المجتمعات كثير من العراقيل منها، بعدها عن المراكز الرئيسية في المدن او طبيعتها الصحراوية او الجبلية، لذا يصعب في أحيانا كثيرة نجاح التنمية فيها. من هنا يظهر التعليم الرقمي نتيجة، خاصة في المناطق النائية حيث تتمتع منصات التعلم عبر الإنترنت، والفصول الدراسية الافتراضية، والتطبيقات التعليمية بالقدرة على الوصول إلى المتعلمين في المناطق النائية، مما يوفر إمكانية الوصول إلى التعليم الجيد للجميع.
لكنه في المقابل في حين أن التحول الرقمي يهدف إلى سد الفجوات في إمكانية الاستفادة من الفرص التعليمية، فإنه يخلق أيضًا تحديات جديدة أبرزها تفاوت فرص الوصول إلى الموارد التعليمية، فالطلاب الذين لا يقدرون على امتلاك أجهزة رقمية قوية وتكون شبكة الإنترنت عندهم ضعيفة يواجهون عوائق أمام المشاركة.
ثانيا: التغيرات على المستوى الأسري والفردي:
أدى ظهور التعليم الرقمي وانتشاره بين الأطفال في حياة الأسرة المعاصرة الى ان تعزز الاسرة من أدوارها وان تلعب دورًا محوريًا في ذلك، حيث باتت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. مع انتشار الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والإنترنت، أصبح من الضروري على الأهل توجيه أطفالهم نحو استخدام آمن وصحي للتكنولوجيا. حيث أصبح على الأسرة واجب تعليم وتوجيه الأفراد، خاصة الأطفال والمراهقين، على كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول وأخلاقي. لا تقتصر هذه التربية على تعليم كيفية استخدام الأجهزة التقنية فحسب، بل تشمل أيضًا كيفية التعامل مع المعلومات الرقمية، وحماية الخصوصية، والتفاعل بشكل لائق على المنصات الإلكترونية وبشكل فعال.
- التعليم الرقمي وتطور الأجيال:
شهدت السنوات الأخيرة تحولات جذرية في منظومة التعليم نتيجة للتقدم التكنولوجي المتسارع. لم يعد التعليم يعتمد فقط على الطرق التقليدية داخل الفصول الدراسية، بل أصبح التعليم الرقمي يشكل جزءًا لا يتجزأ من حياة الطلاب. هذه التحولات لم تؤثر فقط على وسائل التعلم، بل أيضًا على طرق التفكير والتفاعل مع المعلومات. فالجيل الجديد يتعامل مع المعلومات بطرق أكثر ديناميكية ومرونة، مما يعكس التأثير العميق للتكنولوجيا على حياتهم اليومية. ومع ذلك، فإن هذه التحولات تأتي مع تحديات جديدة تتعلق بمدى قدرة الطلاب والمعلمين على التكيف مع هذه التقنيات الرقمية والاستفادة القصوى منها.
- التغيرات على المستوى الشخصي وتطوير الذات:
التعليم الرقمي شجع على التعلم المستمر مدى الحياة، حيث مكن الأفراد للوصول إلى الدروس والموارد التعليمية في أي وقت وأي مكان، مما يعزز من رغبتهم في التعلم وتحقيق التطوير الشخصي.
- الرغبة في تنمية المهارات الرقمية بما يلبي حاجة سوق العمل:
في عصر التكنولوجيا، يحتاج الأشخاص إلى المهارات الرقمية للنجاح في سوق العمل، التعليم الرقمي يساهم في تنمية هذه المهارات وتعزيزها.
ثالثا: التغيرات على مستوى المرأة
شهدت المجتمعات تغيرات عديدة، منها على مستوى النساء والمرأة، حيث دخلت المرأة سوق العمل وكانت عضوه فاعلة في جميع الميادين الاجتماعية، هذه التغيرات أتت نتيجة لجملة من الارهاصات كالحركات النسوية وصدور التشريعات على المستوى الدولي والوطني التي تطالب بتعزيز قدرات النساء في المجتمع، وشكل التعليم الرقمي محطة دافعة في تعزيز قدرات النساء والمرأة في مجال العمل والاسرة، ففي المجال الاسري عمل التعليم الرقمي على زيادة قدراتهن وتطوير افكارهن وسمح للعديد من النساء من التعلم عن بعد خاصة لمن ترغب في استكمال تعليمها أو من تسعى للاستفادة من دورات تكوينية تتم على مستوى البيئة الرقمية تهدف من خلالها للتأسيس لمشروعها الخاص وزيادة تنمية الاسرة.
كما ساهم التعليم الرقمي بشكل كبير في تعزيز دور المرأة وتغيره داخل المجتمع، فقد فتحت الرقمنة أبوابًا جديدة للمرأة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والمشاركة الفعالة في الحياة العامة، فعلى سبيل المثال، ساعدت المنصات الرقمية في توفير فرص عمل مرنة للنساء، مما مكنهن من تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية إضافة إلى ذلك، أدى انتشار التعليم الرقمي إلى زيادة فرص النساء في الوصول إلى المعرفة وتطوير المهارات، مما ساهم في تعزيز مكانتهن في المجتمع الرقمي.
رابعا: التغيرات الاجتماعية على المستوى التربوي
يعتبر ضعف المنظومة التعليمية من أهم العوائق التي تقف في وجه إنجاح مشاريع التنمية المستدامة، فاستخدام تقنيات حديثة قد تساعد في التغلب على هذه العوائق. ثاني تلك الأسباب، ما تمثله الثورة الرقمية اليوم من فرصة حقيقية من أجل إصلاح أعطاب التعليم والتعرف على البدائل التي تقدمها في هذا المجال. وبهذا الصدد تحدثت مساعدة المديرة العامة لليونسكو للتربية ستيفاني جيانيني في تموز/ يوليو 2022، عن ضرورة إحداث تحول في التعليم لكي يتصدى للمشكلات الجديدة للقرن الحادي والعشرين، وقد بين تقرير اليونسكو الذي صدر مؤخرا بشأن مستقبل التربية والتعليم، أنه يتعين تعديل المناهج وطرق التعليم لكي تتأقلم مع معطيات تغير المناخ والعولمة والثورة الرقمية وغيرها من مستجدات العصر[9].
لذا فالتعليم الرقمي في البيئة التربوية يحتاج الى متطلبات عديدة منها:
1- متطلبات الهيئة التدريسية من قدرته على استخدام هذا النوع من التعليم واقتناعه به، فالمعلم لكي يصبح معلما رقميا يحتاج إلى إعادة صياغة فكرية اولا يقتنع من خلالها بأن طرق التدريس التقليدية يجب أن تتغير لتكون مناسبة مع الكم المعرفي الهائل الذي تعج به كافة مجالات الحياة، بالإضافة إلى تعلم الاساليب الحديثة في التدريس والاستراتيجيات الفعالة ليتعمق في فهم فلسفتها وإتقان تطبيقها حتى يتمكن من نقل هذا الفكر إلى طلبته. ولتكون هذه المطالب واضحة لمن يقوم على برامج إعداد المعلم، الذي سيتغير دوره من مجرد ملقن للمعلومات إلى مرشد وميسر لعملية التعليم/ التعلم.
2- متطلبات المتعلمين، توفر أجهزة التعلم الرقمي، المعرفة في كيفية استخدامها، إدارة الوقت المخصص للتعلم بشكل جيد، المشاركة الفاعلة في عملية التعلم الرقمي
3- توفير متطلبات البيئة التعليمية الرقمية من توفر الحواسيب، وخطوط الانترنت، قاعات التدريب لتدريب المعلمين والطلاب على استخدام التعليم الرقمي، توفر منهج مناسب ومستمر للطلاب.
أيضا من ضمن التغيرات الاجتماعية في مجال التربية التي تواجها المجتمعات والتي تتطلب التفاعل مع التعليم الرقمي والاستفادة من تقنياته ما يلي:
- صعوبة الالتحاق بالصفوف الدراسية المنتظمة:
تواجه بعض الفئات عدم وجود وقت كافي للتعليم وخاصة الانشغالات العديدة للأفراد بسبب العمل وضيق الوقت، حيث يوفر التعليم الرقمي المرونة والراحة من حيث الزمان والمكان. يمكن للأفراد الوصول إلى المواد التعليمية بالسرعة التي تناسبهم، وهذه المرونة مفيدة بشكل خاص للموظفين والمنشغلين بأشغال أخرى خارج الإطار الأكاديمي.
- عدم الالتحاق بالتعليم في الصغر:
وهو ما يعرف بتعليم الكبار، يمكن للأشخاص الذين فاتتهم فرص التعليم في صغرهم أو الذين يرغبون في تغيير مسارهم المهني الاستفادة من التعليم الرقمي لتحسين مهاراتهم ومعارفهم.
- الحاجة الى تطوير مهارات وقدرات الطلبة:
تبرز هناك معضلات عديدة تواجه التعليم العالي منها ضعف مهارات الخريجين وعدم مواكبتهم لسوق العمل. من هنا يعد التعليم الرقمي وما يحتوي من برامج تدريبية لتنمية مهارات الخريجين الحياتية والتقنية واللغوية وتحسين مهاراتهم الرقمية.
- عدم وجود المراجع البحثية في بعض المكتبات الجامعية:
حيث يعد التعليم الرقمي عامل أساسي في تزويد الباحثين بالعديد من الدراسات والأبحاث النظرية في تخصصهم الدقيق.
- ارتفاع تكاليف التعليم التقليدي:
التعليم الرقمي يمكن أن يكون أقل تكلفة من التعليم التقليدي، حيث يوفر تكاليف السفر والمواد التعليمية والأبنية. هذا يجعل التعليم أكثر اقتصادياً للأفراد والمجتمعات.
- تعزيز المساواة في التعليم:
التعليم الرقمي يمكن أن يساعد في تقليل الفجوات التعليمية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. يتيح للطلاب من خلفيات مختلفة الوصول إلى نفس الموارد التعليمية، مما يعزز من مبدأ المساواة في الفرص.
- تلبية احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة:
التعليم الرقمي يمكن أن يتم تعديله ليناسب احتياجات الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يمنحهم فرصة أفضل للتعلم والتحصيل الأكاديمي.
- مرونة الوقت والمكان:
يمكن للطلاب التعلم في أي وقت ومن أي مكان، مما يجعل التعليم أكثر مرونة ويتناسب مع جداولهم الزمنية وظروفهم الشخصية. هذا يساعد الأشخاص العاملين أو الذين لديهم التزامات أخرى على متابعة التعليم.
خامسا: التغيرات الاجتماعية على المستوى الاقتصادي:
تعاني الدول العربية من تدني في النمو الاقتصادي وانتشار مشكلات عديد كالفقر والبطالة مما يتطلب اتباع استراتيجيات جديدة للحد من تفاقم هذه المشكلات وابتداع أساليب جديدة تعزز النمو الاقتصادي، ويُقدر الخبراء في “البنك الدولي” أن تبني تقنيات التعليم الرقمي في الدول النامية يمكن أن يساهم في زيادة النمو الاقتصادي بنسبة تصل إلى 2% سنوياً. هذا الرقم يُلخص الإمكانيات الواعدة لهذا القطاع في تحقيق التنمية الاقتصادية، ما يجعل من تبني التعليم الرقمي خياراً استراتيجياً لتحفيز النمو في الاقتصاديات الناشئة.
كما أن النمو المتوقع لسوق التعليم الإلكتروني، والذي يُقدر بأن يصل إلى 457.8 مليار دولار بحلول عام 2026، يشكل دافعاً إضافياً للعالم العربي للاستفادة من هذه الطفرة التكنولوجية. الاستثمار المستمر في البنية التحتية وتطوير المحتوى وتدريب الكوادر، يمكن للمنطقة من خلاله أن تتبوأ مكانة ريادية في قطاع التعليم الرقمي على مستوى العالم. التعاون العربي في هذا المجال، من خلال تبادل الخبرات وتنسيق الجهود، يمكن أن يسهم في تعزيز فرص الوصول إلى التعليم الرقمي وتطويره بطريقة متكاملة.
- الاقتصاد الرقمي
الاقتصاد الرقمي هو أحد الجوانب الأكثر بروزًا في عصر الرقمنة، حيث أدى التحول الرقمي إلى خلق فرص عمل جديدة غير تقليدية، مثل الوظائف المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، والتسويق الرقمي، وتطوير البرمجيات. هذه الوظائف الجديدة غالبًا ما تكون ذات طابع تقني وتتطلب مهارات متقدمة في استخدام التكنولوجيا، مما جعل سوق العمل يتغير بوتيرة سريعة. ومع ذلك، فإن التحول الرقمي لم يكن محايدًا تمامًا، حيث أدى إلى تغيرات في توزيع الثروة، حيث استفادت الشركات الكبرى التي تبنت التكنولوجيا بسرعة من النمو الاقتصادي، بينما تراجعت بعض الصناعات التقليدية، مما أدى إلى فقدان العديد من الوظائف. في هذا السياق، يظهر التحدي في كيفية تحقيق توازن بين الاستفادة من الفرص التي يوفرها الاقتصاد الرقمي ومعالجة التأثيرات السلبية على القوى العاملة التقليدية.
- التعليم الرقمي بين الدول:
يشير الواقع الحالي إلى فجوة رقمية بارزة في عدد من الدول العربية، ما يعني أن التحول نحو التعليم الرقمي لا يزال بعيداً عن متناول قطاعات كبيرة من الطلاب، لا سيما في المناطق الريفية والنائية. وتشير الدراسات إلى أن حوالي 40% من السكان في بعض الدول العربية يعانون من نقص في توفر الإنترنت أو ضعف سرعته، مما يحد من فرصهم في الاستفادة من الخدمات التعليمية الرقمية. ولتجاوز هذا التحدي، فإن الحكومات تحتاج إلى إطلاق مبادرات استثمارية وطنية لتطوير البنية التحتية للاتصالات، مع التركيز على توفير الإنترنت عالي السرعة بأسعار ملائمة تضمن عدالة الوصول وتكافؤ الفرص التعليمية. وهذه الخطوة يمكن أن تحقق متطلبات التعليم الرقمي، وتسهم أيضاً في تحسين جودة الحياة العامة والارتقاء بمنظومة الاقتصاد الرقمي الوطني على المدى الطويل.
كما أن دعم الثقافة المجتمعية للتحول نحو التعليم الرقمي يُعد عنصراً حيوياً لضمان تقبل المجتمع لهذا النمط الجديد من التعليم. فالكثير من المجتمعات العربية لا تزال تتشبث بنماذج التعليم التقليدي وتعتبر التعليم الرقمي غير مألوف أو أقل موثوقية. ففي دراسة حديثة، أفاد حوالي 60% من الأسر في بعض الدول العربية بأنهم يفضلون التعليم التقليدي على الرقمي، وهو ما يكشف عن تحدٍ ثقافي يتطلب تغييراً في المواقف المجتمعية. مُعالجة هذا العائق من خلال الحملات التوعوية الواسعة يمكن أن تسلط الضوء على فوائد التعليم الرقمي في تنمية المهارات، وفتح أفق جديد للتعليم يتيح مرونة وملاءمة أكثر للحاجات التعليمية المتغيرة. الالتزام الجماعي من المؤسسات التعليمية، والقطاع الإعلامي، وكذلك من الجهات الحكومية مُتطلب استراتيجي لضمان نقل رسالة مُوحدة تبرز أهمية هذا التحول.
سلبيات التعليم الرقمي
- العزلة الاجتماعية:
الاعتماد الكبير على التعليم الرقمي يمكن أن يقلل من التفاعل البشري المباشر، مما يؤدي إلى شعور بالعزلة الاجتماعية لدى المتعلمين.
- مشاكل التركيز:
قد يواجه البعض صعوبة في التركيز والانضباط عند الدراسة عبر الإنترنت، خاصةً مع وجود تشتات متعددة في البيئة الرقمية.
الجودة المتفاوتة:
جودة المواد التعليمية قد تكون متفاوتة بين مختلف المنصات والدورات، مما يعني أن المتعلمين قد يحصلون على تعليم غير متساوي.
عدم توفر التكنولوجيا:
ليس الجميع لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت السريع والأجهزة الرقمية اللازمة للمشاركة في التعليم الرقمي بفاعلية.
المسائل الأمنية:
تزايد الاعتماد على التكنولوجيا يزيد من مخاطر الاختراقات الإلكترونية وسرقة البيانات.
المشاكل التقنية:
قد يواجه المتعلمون مشكلات تقنية تتعلق بالبرمجيات والأجهزة المستخدمة، مما يمكن أن يكون محبطًا ويعيق التقدم.
المراجع
1- ام الخير بدوي، التغير الاجتماعي رؤية نظرية، مجلة التغير الاجتماعي، جامعة بسكره، الجزائر.
2- أحمد قاسم الجمال وآخرون، التحول الرقمي في مؤسسات التعليم العالي العربية، الواقع، التحديات، والمقاربات المستقبلية، اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، 2023
3- جيريمي رفكين، الثورة الصناعية الثالثة: كيف تغير الثورة الموازية الطاقة والاقتصاد والعالم، ترجمة سعيد الحسنية، ط 1، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2012.
4- https://zamn.app/blog
5- نزهة عمور، الثورة الرقمية والتعليم الرقمي في العالم العربي ورهان الحداثة،2023م.
[1] أحمد قاسم الجمال وآخرون، التحول الرقمي في مؤسسات التعليم العالي العربية، الواقع، التحديات، والمقاربات المستقبلية، اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، 2023، ص11. [2] https://zamn.app/blog [3] جيريمي رفكين، الثورة الصناعية الثالثة: كيف تغير الثورة الموازية الطاقة والاقتصاد والعالم، ترجمة سعيد الحسنية، ط 1، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2012، ص143 [4] نزهة عمور، الثورة الرقمية والتعليم الرقمي في العالم العربي ورهان الحداثة، 2023م. [5] نزهة عمور، الثورة الرقمية والتعليم الرقمي في العالم العربي ورهان الحداثة، مرجع سابق.. [6] نفس المرجع [7] ام الخير بدوي، التغير الاجتماعي رؤية نظرية، مجلة التغير الاجتماعي، جامعة بسكره، الجزائر. [8] أحمد قاسم الجمال وآخرون، التحول الرقمي في مؤسسات التعليم العالي العربية، مرجع سابق، ص6 [9] أنظر موقع اليونسيكو unesco.com