تعز تحتضر عطشًا

كتب رأفت توفيق:

تعز اليوم ليست مجرد مدينة عطشى بل مدينة تموت ببطء مدينة تسحقها الحاجة إلى أبسط مقومات الحياة مدينة تخذلها السلطة ويخذلها الإقليم ويخذلها العالم أجمع اليوم تعز أمام كارثة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى كارثة لا تقل خطورة عن أي حرب أو عدوان كارثة قادرة على دفع الملايين إلى النزوح وترك المدينة التي كانت يوما منارة للعلم والثقافة والصمود

في شوارع تعز التي تئن من الجراح لم أجد نقطة ماء صالحة للشرب تجولت من غرب المدينة إلى شرقها بحثا عن عشرة لترات ماء لم أجد لا ماء حنفية ولا ماء من الآبار ولا حتى ماء معبأ فالمياه المعبأة اختفت وإن وجدت فإن سعرها يضاهي سعر البنزين بل يتجاوزه

الوضع لم يعد يحتمل السكوت لم يعد مجرد معاناة عابرة أصبح مسألة وجود أصبح سببا مباشرا في تدمير الحياة بشكلها الطبيعي في كل بيت من بيوت تعز أصبح الأطفال والنساء والشيوخ يقطعون كيلومترات بحثا عن قطرة ماء وقد يعودون خائبين

المدينة محاصرة بالموت من كل الجهات لا كهرباء لا طرق آمنة لا غذاء كاف ولا دواء والآن لا ماء كل هذا في ظل تجاهل مريب من الحكومة الشرعية وتجاهل أفدح من المجتمع الإقليمي والدولي وكأن تعز لا تنتمي إلى هذا العالم وكأن أربعة مليون إنسان لا وزن لهم ولا صوت ولا حق في الحياةعشر سنوات أو أكثر وتعز تحت الحصار وتحت القصف وتحت الحرمان ولم يكن ينقصها إلا أن تُحرم من الماء لتكتمل فصول المأساة ولكي يُختبر صبر الناس وكرامتهم إلى أبعد الحدود

الصمت جريمة والتجاهل خيانة والتقاعس عن إنقاذ تعز من هذا المصير هو سقوط أخلاقي وإنساني لكل من يملك القرار أو التأثير أو حتى الكلمة تعز لا تطلب المستحيل تعز فقط تطلب ماء تطلب شريان حياة لأطفالها وأمهاتها ومرضاها وكبارها تطلب ما يطلبه كل إنسان لتستمر حياته

ما يحدث في تعز الآن هو إنذار أخير انهيار شامل يوشك أن يقع والكارثة إذا وقعت لن تتوقف عند حدود المدينة بل ستتجاوزها إلى كل اليمن وستنعكس على الأمن الإقليمي برمته لأن نزوح أربعة مليون إنسان لن يكون حدثا عابرا بل زلزالا سياسيا وإنسانيا وأمنيا

فهل ننتظر لحظة الانفجار أم أن هناك بقية ضمير ستتحرك وهل سيصحو العالم قبل أن يفقد تعز ما تبقى لها من نبض الحياة.
رأفت توفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى