عن البلاد التي لم نعد نفهمها ولا هي تفهمنا

معاذ مدهش:

رجل أعجم لا يتكلم، لا ينطق، يشير فقط، لا أفهمه ولا هو يفهمني، جلس بجانبي بينما أنتظر مفتاح السكن، وجدتها فرصة للكلام، فتكلمت، حدثته عن الحرب، عن الخراب، عن البلاد التي لم نعد نفهمها ولا هي تفهمنا، وبقي بيننا وبينها قواسم، مثل هذا الصمت، مثل جلوسنا، رسم بيديه قلبا، وضحك، يغمض عينيه كأنه يتذكر، ثم يشير إلى إصبعه، يرسم خاتمًا وهميًا، ويهز رأسه بحزن، فهمت، أنه أحب، ثم ضاع الحب، كالعادة طبعا. أصبح حادا فجأة، صوته خرج غاضبا، رغم أنه لا يقول شيئا، فهمت أنه يريدني أن أتكلم، أن أشترك، أن أقول شيئًا يفسر له ضياع الحب.

أهز رأسي فقط، نظر إلى حجر بجانبه، كبير وثقيل بحجم رأسي وضبحي وقلق الانتظار، أشار إليه، ثم إلي، هززت رأسي لا أعرف لماذا وافقت، ابتسم هو، ثم أشار لي كأنه يسأل “أنت معي” فكرت بالهروب، أشار إلى الحجر، نظرت للخلف، مد يده إلى الأرض، رفع الحجر بكلتا يديه، تركه ثم أشار لي أن أصفق، صفقت، ضحك، هز أرجله، يريد أن أرقص، رفضت، مد يده للأرض مرة أخرى، هززت قدمي كالأبله، رقصة خائف لمن لا يعرفها، أشار بإصبعيه نحو فمه، فهمت أنه يريد سيجارة، أعطيته واحدة، رفض ونظر تجاه الحجر، أعطيته الباكت كله، ابتسم، نفخ خده، أشار أنه يريد قات، أعطيته ملئ يدي، أشار إلى الحجر، سلمته الكيس كاملا، نظر إلي، ثم إلى الخلف، كأنه يحذرني من الفرار، أخذ القات، دسه تحت قميصه، حمل الحجر ومشى، ابتعد ودخل زقاقا مظلما، وضع الحجر بهدوء على الأرض، التفت ناحيتي، أطلق ضحكة مدوية، ثم صاح بأعلى صوته

مقالات ذات صلة

“هيا لو كنت طلبتك بالرضا بتقول على الله”

واختفى في الزقاق.. ثلاث ساعات وأنا هنا لا أعرف هل ابتزني؟ أم فهمني أكثر من كل الذين يتكلمون؟ ثلاث ساعات فقدت فيها محتوياتي، والمفتاح لم يأت بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى