من هم الدروز ؟ وما هي معتقداتهم السرية؟ وما موقفهم تجاه الرئيس أحمد الشرع؟

في مشهد لم تشهده المنطقة منذ أكثر من خمسين عامًا، شهدت الحدود بين سوريا والجولان المحتل تحركًا لافتًا يوم الجمعة 14 مارس/آذار، حين عبر عشرات من مشايخ الطائفة الدرزية من سوريا إلى داخل إسرائيل، في زيارة دينية هي الأولى من نوعها منذ حرب عام 1973.

الزيارة تمّت إلى مقام النبي شعيب، الواقع في بلدة جولس قرب طبريا، والذي يُعد من أقدس المزارات الدينية لدى الدروز. وقد رافق الزوار موكب عسكري إسرائيلي، حيث استُخدمت ثلاث حافلات عبرت خط وقف إطلاق النار من جهة مجدل شمس في الجولان المحتل، بعد أن كانت قد وصلت إلى بلدة حضر السورية لجمع الوفد الديني.

هذه أول زيارة لدروز سوريا لإسرائيل منذ عام 1973 (الحرة)
هذه أول زيارة لدروز سوريا لإسرائيل منذ عام 1973 (الحرة)

هذا التحرك جاء بدعوة رسمية من الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، وسط مظاهر استقبال حافلة من سلطات الاحتلال، ما يعكس تنسيقًا واضحًا ومسبقًا، يتجاوز البعد الديني، ويفتح الباب أمام تساؤلات سياسية عميقة.

الزيارة، التي جاءت بعد سقوط النظام السابق في دمشق، تمت عبر طريق عسكري خاص شقته إسرائيل في المنطقة الحدودية، ما يشير إلى وجود بنية ميدانية جديدة على الأرض، ربما تسعى تل أبيب من خلالها إلى بناء نفوذ موازٍ في جنوب سوريا، مستغلة التغيرات التي أعقبت الصراع السوري.

ردود الفعل على هذه الخطوة لم تكن موحدة داخل الطائفة. ففي حين قابلتها بعض الأوساط الدرزية بالترحيب، برزت أصوات معارضة من داخل سوريا وخارجها، اعتبرت ما جرى تطبيعًا مرفوضًا، ومحاولة لتفكيك الموقف الجمعي للدروز في وجه التحولات الإقليمية.

وفي خلفية المشهد، تكشف تقارير غربية، أبرزها من صحيفة وول ستريت جورنال، عن استراتيجية إسرائيلية تسعى إلى كسب الطائفة الدرزية في سوريا كحليف، من خلال دفعها إلى رفض النظام السوري الجديد، والمطالبة بإدارة ذاتية فدرالية، مدعومة بخطة إنفاق إسرائيلية تتجاوز حاجز المليار دولار.

من هم الدروز

الدروز أو الموحدون الدروز هم طائفة دينية توحيدية ظهرت في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي في ظل الدولة الفاطمية في مصر. يُنسب تأسيس العقيدة الدرزية إلى الحاكم بأمر الله ودعاته، وعلى رأسهم حمزة بن علي بن أحمد وبهاء الدين أبو الحسن. تميزت هذه الطائفة بانغلاقها العقائدي ورفضها استقبال معتنقين جدد بعد عام 1043، ما جعلها محصورة في مجتمعات مغلقة داخل مناطق جبلية، وحافظت على سرية معتقداتها الدينية.

في قلب الجغرافيا المعقدة لبلاد الشام، تقف طائفة الموحدين الدروز كأحد أبرز المكونات الدينية والاجتماعية، التي شكّلت جزءاً أساسياً من تاريخ المنطقة وهويتها السياسية والثقافية. تنتمي هذه الطائفة إلى جذور عميقة تعود إلى بدايات القرن الحادي عشر، وتميزت عبر القرون بمواقفها السياسية المستقلة، وتكوينها المجتمعي المغلق، ومعتقداتها الخاصة التي اختلفت عن بقية المذاهب الإسلامية. عُرف عن الدروز أنهم أهل جبل ومقاومة، حيث لعبوا أدوارًا مهمة في مواجهة الغزاة من الصليبيين والمغول والعثمانيين، ووقفوا في طليعة من أشعلوا شرارة الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، ورفضوا كل محاولات تقسيم سوريا. واليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، يتجدد الحديث عن موقع هذه الطائفة في سوريا الجديدة التي يقودها أحمد الشرع، وما إذا كانت ستواصل تمسكها بدورها الوطني الراسخ، كما فعلت في مفاصل حاسمة من تاريخ البلاد.

عدد الدروز وتوزعهم الجغرافي

يُقدّر عدد الموحدين الدروز في العالم بحوالي 1.5 مليون نسمة. يتوزعون جغرافيًا على عدة بلدان في الشرق الأوسط:

  • سوريا: نحو 700 ألف درزي، يشكّلون أكبر تجمع للطائفة في المنطقة، ويتوزعون على محافظة السويداء بشكل رئيسي، بالإضافة إلى ريف دمشق، الجولان، وبعض قرى إدلب.
  • لبنان: حوالي 350 ألف درزي، يشكّلون أحد المكونات السياسية الرئيسية في البلاد، ويتركزون في جبل لبنان والشوف.
  • إسرائيل: نحو 150 ألف درزي، معظمهم في الجليل والكرمل، وقد اندمج قسم كبير منهم في الدولة العبرية.
  • الأردن: قرابة 30 ألف درزي يتركزون في شمال المملكة.

النشأة والتاريخ

يعود أصل الطائفة الدرزية إلى بدايات القرن الحادي عشر الميلادي، في عهد الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله، الذي حكم مصر بين عامي 996 و1021م. نشأت الدعوة الجديدة في كنف الدولة الفاطمية كفرع باطني من المذهب الإسماعيلي، لكنها سرعان ما انفصلت عنه، وتبلورت كمعتقد مستقل، عُرف لاحقًا باسم “دعوة التوحيد”.

يُعد حمزة بن علي بن أحمد الزوزني، وهو مفكر فارسي الأصل، المؤسس الفعلي للمذهب الدرزي، حيث بدأ الدعوة في القاهرة عام 1017م، وكتب ما يُعرف لاحقًا بـ”رسائل الحكمة”، وهي مجموعة نصوص دينية سرّية تُشكل المرجعية العقائدية للطائفة، وتجمع بين التأويل الباطني للقرآن والفكر الفلسفي الإغريقي والموروثات الفارسية والمسيحية.

برز اسم محمد بن إسماعيل الدرزي كأحد دعاة الطائفة في الشام، وسُمّي أتباع المذهب باسمه، رغم أن كثيرًا من الدروز المعاصرين يرفضون هذه التسمية ويفضلون وصف “الموحدين”.

في منتصف القرن الحادي عشر، وبسبب حملة الاضطهاد التي شنّها الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله ضد الدعوة، تم إغلاق باب الانتساب إلى المذهب، وبات الانتماء إلى الطائفة محصورًا فقط بمن وُلد درزيًا. ومنذ ذلك الوقت، أصبح المذهب الدرزي دينًا منغلقًا لا يقبل الدخول إليه من خارج الطائفة.

استقر أتباع المذهب في مناطق جبلية وعرة، خصوصًا في جبل الدروز (جبل العرب) جنوب سوريا، جبل لبنان، ومرتفعات الجولان. وبحلول القرن الثامن عشر، أدى الصراع الداخلي بين الدروز في لبنان إلى نزوح أعداد كبيرة منهم إلى جبل العرب شرقي البلاد، ما أسّس لتمركزهم الأساسي في ما يُعرف اليوم بمحافظة السويداء السورية.

خلال الحكم العثماني، حافظ دروز جبل العرب على نوع من الاستقلال الذاتي، في إطار تفاهم غير مكتوب مع الدولة العثمانية، ينص على حماية دمشق من غارات البدو مقابل عدم التدخل في شؤونهم. كما رفضوا الانخراط في الجيش العثماني، خاصة أثناء سيطرة إبراهيم باشا بن محمد علي على الشام.

في مطلع القرن العشرين، انحاز الدروز إلى الثورة العربية الكبرى (1916-1918) ضد الدولة العثمانية، بقيادة سلطان باشا الأطرش، أحد أبرز شخصياتهم التاريخية. شاركوا بفعالية في تحرير دمشق من القوات العثمانية، وكانوا من أوائل من دخلوا العاصمة قبل وصول قوات الشريف حسين، بحسب مصادر الثورة.

إلا أن آمالهم في دولة عربية موحدة تبددت بعد الحرب العالمية الأولى، حين تقاسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام بموجب اتفاقية سايكس بيكو. وقعت السويداء ضمن النفوذ الفرنسي، وتم تأسيس كيان سياسي باسم دولة جبل الدروز بين عامي 1921 و1936، إلى جانب كيانات طائفية أخرى مثل دولة العلويين.

ورغم منحهم دولة مستقلة، قاد الدروز ثورة مسلحة ضد سلطات الانتداب الفرنسي عام 1925، انطلقت من السويداء، وامتدت إلى دمشق ومناطق أخرى. ورغم القمع العنيف، رسّخت الثورة دور الدروز كقوة قومية مؤثرة في الصراع ضد الاستعمار.

في عام 1936، ألغت فرنسا دولة جبل الدروز ودمجتها بالجمهورية السورية الناشئة، لكنها أبقت على وجودها العسكري حتى الاستقلال الرسمي لسوريا في أبريل/نيسان 1946.

لاحقًا، في عام 1954، واجه الدروز حملة عسكرية قادها أديب الشيشكلي، رئيس سوريا حينها، اتهمهم خلالها بالتآمر مع الهاشميين في الأردن والعراق. الرد الدرزي تمثّل في تمرد واسع قاد إلى اضطرابات دفعت الشيشكلي للاستقالة إثر انقلاب عسكري.

وفي انقلاب عام 1966، صعد ثلاثة ضباط – اثنان من الطائفة العلوية، وواحد درزي (سليم الحاطوم) – إلى السلطة، لكن الحاطوم أُقصي لاحقًا على يد العلويين، مما رسّخ هيمنتهم على الدولة. تولى حافظ الأسد وزارة الدفاع ثم استلم الرئاسة عام 1971، وأسّس نظامًا أمنياً وعسكريًا ذا طابع طائفي، همّش فيه الدروز رغم مشاركتهم التاريخية في تأسيس الجمهورية السورية.

في عهده، تم تقليص مساحة محافظة السويداء من 11 ألف إلى 6 آلاف كيلومتر مربع، وتم عزلها عن بقية البلاد، في سياق علاقة غير متكافئة بين السلطة والطائفة، بُنيت على مبدأ الحماية مقابل الإذعان.

وفي السنوات الأخيرة من حكم بشار الأسد، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، عادت السويداء لتشهد احتجاجات متصاعدة، بلغت ذروتها بانخراط فصائلها في غرفة عمليات الجنوب إلى جانب درعا والقنيطرة. وبحسب مصادر إعلامية، دخلت هذه الفصائل دمشق بالتزامن مع قوات بقيادة أحمد الشرع، ضمن مشهد جديد يعيد صياغة تموضع الدروز داخل سوريا ما بعد الأسد.

معتقدات الدروز

تنتمي العقيدة الدرزية إلى التيار الباطني في الإسلام، وتُعد امتدادًا عقائديًا للمذهب الإسماعيلي الفاطمي، لكنها سرعان ما تبلورت كمذهب مستقل له منظومته الفكرية الخاصة، التي لا تُفصح عن تفاصيلها لعامة الناس، ولا حتى لجميع أبناء الطائفة.

تُعرف العقيدة الدرزية باسم “دعوة التوحيد”، وقد تأسست في القاهرة خلال عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في بدايات القرن الحادي عشر. انطلقت الدعوة رسميًا على يد حمزة بن علي بن أحمد الزوزني، الذي يعد المرجع الفكري الرئيسي للطائفة. اعتمدت دعوته على تأويل باطني للقرآن ودمجت بين الفلسفة اليونانية، والديانات الفارسية القديمة، والمسيحية، في منظومة دينية مغلقة.

أُغلِق باب الانضمام إلى الطائفة في منتصف القرن الحادي عشر، بعد حملة اضطهاد قادها الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله، فأصبح الانتماء للطائفة محصورًا فقط بمن وُلد درزيًا، ولم يُسمح لأحد من خارجها باعتناق الدين الدرزي. هذه السمة جعلت العقيدة الدرزية تُصنَّف كـ”مذهب مغلق”، يحظر التبشير أو الاستقطاب الديني.

يؤمن الدروز بوحدانية الله وبأن الله تجلى في شخصية الحاكم بأمر الله، وهي إحدى أكثر النقاط إثارة للجدل في عقيدتهم. يُنكر الدروز بعض أركان الإسلام التقليدية مثل الصوم، والحج، والصلوات الخمس، ويعتبرون هذه العبادات رمزية أو ذات تفسير باطني، بينما يركزون على مفاهيم روحية وأخلاقية مثل الصدق، الدفاع عن المظلوم، حفظ الإخوان، وتهذيب النفس.

المرجع الديني لدى الطائفة ليس نصًا علنيًا وإنما هو مجموعة من النصوص تُعرف بـ”رسائل الحكمة”، تتكون من 111 رسالة كتبت على يد دعاة الطائفة الأوائل. ولا يُسمح بالاطلاع عليها إلا لمن بلغ درجة “العُقال”، وهم شريحة النخبة الدينية المثقفة داخل الطائفة، والذين يُعهد إليهم بحفظ ونقل المعتقدات، فيما يُعرف الباقون من أبناء الطائفة بـ”الجهال”.

الدرزية ليست فقط ديانة، بل نظام اجتماعي مغلق أيضًا. ويمنع الزواج خارج الطائفة بشكل صارم، كما يُحظر على الدرزي التراجع عن دينه، إذ يُعتبر ذلك خيانة جماعية.

ورغم أن الطائفة لا تمتلك أماكن عبادة عامة كالمساجد أو الكنائس، فإنهم يعقدون لقاءاتهم الدينية في أماكن تُعرف بـ”الخلوات”، وهي غرف بسيطة، لا تُمارس فيها شعائر علنية، بل تُخصص للقراءة والتأمل والتوجيه الديني.

من الناحية العقائدية، ينفي الدروز وجود البعث والحساب بصورته التقليدية، ويؤمنون بـ”تناسخ الأرواح”، أي انتقال روح الإنسان بعد وفاته إلى جسد مولود جديد، وهي عقيدة جوهرية في الفهم الدرزي لمسار الحياة والمصير.

وحتى اليوم، ترفض مشيخة العقل الدرزية الكشف العلني عن أي تفاصيل تخص العقيدة، وتُعتبر خصوصية المذهب جزءًا أساسيًا من استمراره، لا سيما في بيئات متقلبة سياسيًا وطائفيًا مثل سوريا ولبنان وفلسطين.

تفسير القرآن عند الدروز
يعترف الدروز بالقرآن الكريم، لكنهم يفسرونه تفسيرًا باطنيًا خاصًا بهم، مختلفًا عن التفسيرات السنية والشيعية. أما المصدر الرئيسي للعقيدة فهو “رسائل الحكمة”، وهي مجموعة من النصوص العقائدية التي تعود إلى زمن الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمي الغامض، وتُنسب إلى حمزة بن علي الزوزني. تُحفظ هذه النصوص في “الخلوات”، ولا يطلع عليها إلا “العقال” – أي رجال الدين داخل الطائفة.

ينقسم المجتمع الدرزي إلى طبقتين:

  • العقال، وهم رجال الدين الملتزمون، يرتدون عمامة بيضاء ويتمتعون بمعرفة العقيدة الباطنية.
  • الجهال، وهم عامة الناس، لا يطلعون على التفاصيل العقائدية.

صلاة الدروز
لا يمارس الدروز الشعائر الإسلامية المعروفة كالصلاة والصوم، بل يعتمدون على طقوس تأملية داخل “الخلوات”. كما يُحرّم تعدد الزوجات لديهم، وتُعطى المرأة مكانة روحية مساوية للرجل. أما عيدهم الأهم فهو عيد الأضحى، وإن اختلفت طريقة الاحتفال به عن باقي المسلمين.

هل الدروز مسلمين؟

رغم الجذور الإسلامية الإسماعيلية للعقيدة الدرزية، فإن معظم أتباع الطائفة لا يُعرّفون أنفسهم كمسلمين وفق الفهم السائد، ويؤكدون على استقلالية مذهبهم. إلا أن دولًا مثل لبنان وسوريا تصنفهم كطائفة إسلامية ضمن النظام الطائفي السياسي. فيما تميل الدراسات الأكاديمية الغربية إلى تصنيفهم كديانة توحيدية مستقلة ذات أصول باطنية.

ما الفرق بين الدروز والمسلمين؟

  • لا يؤمن الدروز بظاهر الشريعة الإسلامية، بل يفسرون القرآن بطريقة باطنية.
  • لا يصلّون أو يصومون كالمسلمين، بل يمارسون طقوسًا تأملية خاصة داخل الخلوات.
  • يؤمنون بتقمص الأرواح، وهو مبدأ غير موجود في الإسلام.
  • لا يفتحون باب الدخول إلى مذهبهم منذ أكثر من ألف عام.
  • لا يعترفون بنبوة محمد على أنه “خاتم الأنبياء” كما في الإسلام، بل يعتبرونه أحد الحكماء المصلحين.

ما موقفهم تجاه الرئيس أحمد الشرع؟

في ظل التحولات السياسية الجارية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، لم تُصدر المرجعيات الدينية أو الفصائل الدرزية في السويداء موقفًا موحدًا تجاه الرئيس الجديد أحمد الشرع، لكن المؤشرات الميدانية تعكس توازنًا دقيقًا بين الحذر والقبول المشروط.

الشرع خلال لقائه بممثلين عن المجتمع الدرزي في سوريا (الحرة )
الشرع خلال لقائه بممثلين عن المجتمع الدرزي في سوريا (الحرة )

مصادر محلية من السويداء تؤكد أن معظم الفصائل المسلحة، وعلى رأسها “حركة رجال الكرامة”، لم تُعلن رفضها المباشر للرئيس الشرع، لكنها تشترط إعادة هيكلة وزارة الدفاع وضمان مشاركة أبناء المحافظة في القرار الأمني والعسكري، قبل النظر في أي تعاون رسمي. الحركة التي يقودها الشيخ يحيى الحجار تتبنى منذ سنوات خطابًا يطالب بالاستقلالية الإدارية والأمنية للمحافظة، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض الانفصال.

من جانب آخر، يتبنى “المجلس العسكري في السويداء” موقفًا أكثر تشددًا، إذ يدعو إلى إعادة بناء الدولة على أسس فدرالية، ويعارض أي هيمنة مركزية من دمشق، بما في ذلك سلطة الرئيس الشرع، ما لم تُنفذ إصلاحات جوهرية على مستوى الحكم والإدارة. المجلس يحظى بدعم معلن من “قوات سوريا الديمقراطية”، وهو ما يعكس انفتاحًا على تحالفات خارج إطار السلطة المركزية.

أما المرجعيات الدينية الثلاث، فقد جاءت مواقفها متفاوتة. الشيخ حكمت الهجري، الأكثر حضورًا في المشهد السياسي، شدد في خطابه الأخير على ضرورة إقرار دستور جديد وتشكيل جيش وطني حقيقي قبل تسليم السلاح أو التفاهم مع أي سلطة، معتبرًا أن العملية السياسية تحتاج إلى ضمانات دولية لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة. في المقابل، تمسك الشيخان يوسف جربوع وحمود الحناوي برفض مشاريع الانفصال، دون إصدار موقف مباشر من الرئيس الجديد، مؤكدين في أكثر من مناسبة ضرورة حماية النسيج السوري الواحد.

وعلى الرغم من الضغوط الإقليمية ومحاولات التأثير الخارجي، لم تُسجل حتى اللحظة أي خطوة ميدانية من قبل الدروز تشير إلى معارضة صريحة للرئيس أحمد الشرع، في حين تبقى مطالبهم الأساسية متمثلة في احترام الخصوصية المحلية، وإبعاد الأجهزة الأمنية عن التدخل في شؤون الجبل، وضمان تمثيل فعلي في المؤسسات الوطنية الجديدة.

الطائفة والسياسة

تميّزت الطائفة الدرزية تاريخيًا بموقف سياسي يقوم على الحذر والانكفاء، مستندة إلى تجربة عميقة في التعامل مع تقلبات السلطة في بلاد الشام. ومع اندلاع الثورة السورية، وجدت الطائفة نفسها أمام مفترق طرق سياسي وأخلاقي.

 

في سنوات حكم حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد، حافظ الدروز في سوريا على علاقة متوازنة مع النظام، لم تتّسم بالولاء المطلق ولا بالعداء الصريح. وقد تبنّى مشايخ العقل، الذين يُمثلون المرجعية الروحية للطائفة، خطابًا يركّز على وحدة البلاد ورفض الفتن، مما جعل مناطقهم – ولا سيما جبل العرب في السويداء – شبه معزولة عن الاحتكاك المباشر خلال السنوات الأولى من الثورة.

مع ذلك، تطورت مواقف الطائفة بمرور الزمن. فقد بدأت شرائح واسعة من الدروز، خاصة فئة الشباب، تشعر أن النظام لم يعد ضامنًا لأمنهم أو لحريتهم، وخصوصًا مع استمرار سياسة التجنيد القسري وتجاهل مطالبهم المحلية. هذا ما أدى إلى نشوء تشكيلات محلية مسلّحة مثل “قوات الكرامة” بقيادة وحيد البلعوس، ثم نجله ليث البلعوس، والتي رفعت شعارات حماية الأرض والكرامة، وانتهجت خطاً مستقلاً عن النظام والمعارضة الإسلامية في آنٍ معًا.

الطائفة اليوم، في ظل الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، تسعى إلى إعادة تعريف موقعها السياسي. فقد عبّرت قيادات محلية ومرجعيات روحية عن دعمها للتغيير السياسي، مع الحفاظ على خصوصيتها الدينية والاجتماعية. وأبدت انفتاحًا حذرًا تجاه القيادة الجديدة، رافضة أي وصاية خارجية سواء من إسرائيل أو أي فصيل إسلامي متشدد.

الدروز والثورة السورية عام 2011

عند اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتّخذ معظم أبناء الطائفة الدرزية موقف الحياد، معتبرين أن النزاع هو صراع داخلي بين قوى لا تمثّلهم بالكامل. ومع اشتداد الحملة العسكرية للنظام ضد المدنيين، بدأت أصوات معارضة ترتفع من داخل الطائفة.

في عام 2014، شهدت محافظة السويداء احتجاجات نادرة تمثلت في تطويق مراكز أمنية رفضًا لاعتقال شبان دروز تهرّبوا من الخدمة الإلزامية. تمكّن الأهالي حينها من إطلاق سراح المحتجزين، مما مثّل تحديًا محليًا نادرًا لسلطة النظام. لاحقًا، ظهرت بوادر التمرد المنظّم، خصوصًا بعد تأسيس الشيخ وحيد البلعوس “قوات الكرامة”، التي اتخذت موقفًا واضحًا من النظام، قبل أن يُقتل في حادث غامض عام 2015، قُيّد رسميًا كحادث سير، واعتبره كثيرون عملية اغتيال سياسي.

لم تشارك الطائفة ككتلة موحّدة في العمل العسكري ضد النظام، لكنّها قدمت مقاومة مجتمعية مهمّة في رفض عسكرة المجتمع، والتصدي للتجنيد، وحماية مناطقها من توغلات تنظيم الدولة الإسلامية، كما في هجوم 2018 الذي أودى بحياة أكثر من 200 مدني درزي في ريف السويداء.

وفي عام 2023، خرج الآلاف في السويداء في مظاهرات علنية طالبت بإسقاط نظام بشار الأسد، بدعم صريح من مشايخ العقل، باستثناء الشيخ يوسف جربوع المقرّب من النظام. وتحوّلت ساحة الكرامة، قرب ضريح سلطان باشا الأطرش، إلى مركز رمزي للاحتجاج السياسي، عبّر من خلاله الدروز عن انخراطهم المتأخر لكن الحاسم في الثورة السورية.

ما علاقتهم في إسرائيل ؟

تُعد علاقة الدروز في إسرائيل قضية شائكة، إذ يخدم كثير من دروز إسرائيل في جيش الاحتلال، بموجب قانون التجنيد الإجباري المفروض عليهم منذ خمسينيات القرن الماضي. وتبنّت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خطابًا دعائيًا يعتبر الدروز “مواطنين أوفياء”، في محاولة لفصلهم عن محيطهم العربي.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف (الجزيرة)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف (الجزيرة)

من جهة أخرى، رفض دروز الجولان المحتل، وعددهم نحو 20 ألف نسمة، الهوية الإسرائيلية وامتنعوا عن الخدمة في جيش الاحتلال، متمسكين بهويتهم السورية. وخلال سنوات الثورة السورية، سعت إسرائيل إلى الظهور كحامٍ للدروز السوريين، وصرّح مسؤولون إسرائيليون، بمن فيهم نتنياهو، بأنهم سيمنعون دخول القوات السورية إلى مناطق الجنوب “لحماية الدروز”.

قوبلت هذه التصريحات برفض واسع من دروز سوريا، الذين أكدوا عبر مشايخهم ووجهائهم أن قضاياهم داخلية، ولا تقبل تدخلًا خارجيًا، وأن علاقاتهم بالجوار تُبنى على السيادة الوطنية لا على الانتماء الطائفي. وتكرر هذا الموقف في السويداء بعد تصريحات تل أبيب عام 2025، حين خرجت مظاهرات تؤكد أن الطائفة الدرزية جزء من النسيج السوري، ترفض الاحتلال والوصاية.

الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بذريعة حماية الدروز

لم تهدأ وتيرة الغارات والاعتداءات الإسرائيلية على مواقع داخل الأراضي السورية منذ الساعات الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، خاصة في الجنوب ومحيط العاصمة دمشق، حيث استهدف عشرات المواقع العسكرية ودمر طائرات ومقدرات عسكرية هائلة بدعوى المخاوف من وقوعها في أيدي “جهات معادية”. كما نفذ جيش الاحتلال توغلات برية متكررة في المنطقة العازلة والقنيطرة وجبل الشيخ، بذريعة إقامة شريط أمني يفصل بين الأراضي السورية وهضبة الجولان المحتلة، متجاوزًا بذلك اتفاق فض الاشتباك الموقّع بين الجانبين عام 1974..

وركّزت تل أبيب في سرديتها على ما وصفته بـ”حماية دروز سوريا“،  كثفت تل أبيب ضرباتها على المناطق الجنوبية ذات الأغلبية الدرزية، لا سيما في السويداء وريف القنيطرة، وقدمت رواية أمنية تدّعي فيها أنها تتدخل لحماية الطائفة من قوى محلية أو إقليمية تهدد أمنها، في محاولة لتبرير العمليات العسكرية وتوسيع نفوذها في الجغرافيا السورية وقد شملت تلك العمليات مواقع في السويداء ودرعا وريف دمشق، واستُهدفت مناطق على صلة بالبنية التحتية الدفاعية السورية، بينها مواقع صواريخ أرض-جو، بطاريات مدفعية، ومراكز قيادة. وتجاوزت بعض الضربات الطابع التكتيكي العسكري، لتصل إلى مناطق شديدة الحساسية من الناحية السياسية، كان أبرزها غارات على محيط القصر الجمهوري في العاصمة دمشق، في رسالة اعتبرها مراقبون بمثابة ضغط مباشر على القيادة الجديدة في سوريا.

ووفقاً لبيان صادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، فإن هذه الغارة “تحمل رسالة واضحة للحكومة السورية”، حيث زعموا أنها تهدف إلى “حماية الدروز” في سوريا. هذا الادعاء يأتي بعد أيام فقط من غارة إسرائيلية أخرى استهدفت محيط منطقة أشرفية صحنايا في 30 أبريل/نيسان الماضي، وأسفرت عن مقتل عنصر في الأمن العام السوري.

وفي بيان رسمي، أعلن جيش الاحتلال أن مقاتلاته نفذت عمليات ضد أهداف عسكرية “تشكل تهديدًا مباشرًا”، مؤكدًا عزمه على مواصلة تلك الهجمات “كلما دعت الحاجة لحماية مواطني إسرائيل”. لكن محللين يرون أن هذا التصعيد لا ينفصل عن سياق إقليمي أوسع تسعى فيه إسرائيل إلى فرض وقائع ميدانية تسبق أي ترتيبات سياسية محتملة، وأن الادعاء بحماية الدروز ليس سوى جزء من غلاف دعائي يراد منه تبرير تحركات تهدف لتفكيك الجنوب السوري، وإعادة تشكيله بما يتماشى مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية.

و تسعى إسرائيل إلى توظيف تفكك السلطة المركزية لصالح مشروع تطبيع قسري، يبدأ من الأطراف الحدودية، ويستثمر في الانقسامات المحلية وحاجة الحكومة الجديدة للدعم الدولي. وبينما تلوّح تل أبيب بـ”شراكة ممكنة” مع مكوّنات محلية، يبقى الهدف النهائي هو تحصين الجبهة الشمالية عبر آليات ضغط عسكري ودبلوماسي متزامنة.

ورغم التحديات السياسية والأمنية التي تواجه الطائفة الدرزية في سوريا، خصوصًا في ظل الانقسامات الداخلية والتدخلات الإقليمية، فإن مواقفها المعلنة تظل واضحة في رفض الانفصال، والتمسك بوحدة البلاد، ورفض الوصاية الخارجية، سواء من إسرائيل أو أي قوة دولية أخرى.

من خلال مواقف المرجعيات الدينية والفصائل المسلحة، يتضح أن الطائفة تسير على نهج استقلالي يرفض الالتحاق بأي محور خارجي، ويطالب بإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة تضمن العدالة والتعددية. وبينما تسعى بعض الأطراف إلى استثمار موقع الدروز الجغرافي والسياسي، فإن إرادة أبناء الطائفة ما تزال متماسكة حول خيار الانخراط في مستقبل وطني مشترك، يضمن لهم ولغيرهم من السوريين الأمن والكرامة والمواطنة الكاملة.

المصدر : رواها360 +الجزيرة +مصادر اخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى