يوميات ثائر ،،، الشعب يريد إسقاط النظام (1)

عدنان الأثوري :
جلس ناجي في إحدى زوايا غرفته المتواضعة التي تجمعه بزوجته بتخزينة قات وممارسة رياضة مضغ القات اليومية وبجواره أطفاله الصغار يلعبون حوله، أخذ يفكر في مزروعاته وأشجاره التي اقتربت من موسم الحصاد، نظر إلى زوجته والسعادة تملأ عينيه وهو يمد عودًا طريًا من أغصان القات النديّة ويقربها من فم زوجته التي بادرته بسؤال عن سبب سعادته الغريبة هذا اليوم فأخبرها أن هناك ميلاد جديد لثورة حقيقية ينتظرهم وأن “قائدة الثورة” أعلنت أن الثورة للجميع وأن المواطنون متساوون في كل شيء، لذا عليه أن يلحق بالركب الثوري، وأخبرها أنه عازم على بيع مزرعته الوحيدة لينال شرف التضحية ويضمن مكانة له في المقدمة، وهو يحدثها عن صديقه “ق” الذي كان يعمل ميكانيكي وصار قائدًا ثوريًا وصديقه الآخر “ن” الذي كان يعمل نشالًا وقد تاب الله عليه وهو الآن صار مسؤولًا ماليًا يشار إليه بالبنان، إلا أن زوجة ناجي لم تتقبل هذا الأمر ولم ترق لها الفكرة وقررت الذهاب إلى بيت أبيها مع أولادها الصغار.
وبعد أسبوع استطاع ناجي بيع مزرعته بثمن بخس ثم أخذ المبلغ معه إلى المدينة ليضعه في أحد البنوك لكن نسي أن يودعه البنك لضيق الوقت، وعند الظهيرة قام ناجي بشراء كيس كبير من القات العال بعد أن تناول وجبة غداء في مطعم قريب من الساحة التي دخلها والنشوة تملأ قلبه، كان يسمع أصوات الثوار الذين جاءوا من كل مكان من الأرياف والمدينة وهم يرددون هتاف واحد “الشعب يريد إسقاط النظام ” وأصوات الأناشيد الحماسية الثورية تملأ الأرجاء عبر مكبرات الصوت وتثلج صدره، فأخذ بالبحث عن حجرٍ يجعله متكأ لجلسته الثورية، ثم بحث له عن مكان مناسب وكان يقول “القات صبري والمتكأ حجر”.
بدأ ناجي يطلق العنان لخياله الواسع وأحلامه الوردية، تذكر زوجته وأولاده وتذكر داره المتواضع وأخذ يرسم له مستقبلًا جميلًا، أخذ يحلم بمنزل كبير في المدينة وبزوجة أخرى لا تكدّر صفو عيشه، و بمزرعة أكبر من التي باعها يزرع فيها كل الفواكه والخضروات وتدرُ عليه أطيب الثمار… لكن لحظة، في تلك الثانية تذكر المبلغ الذي باع فيه مزرعته والذي وضعه بجواره منذ أن بدأ جلسته تلك قبل ساعتين، أطلق صرخة مرعبة، الـمبـلـغ؟! أين الـمبـلـغ؟! بحث يمنة ويسرة لكنه تفاجأ أن الشخص الذي كان بجواره يحادثه ويمنّيه بالمستقبل الباسم لليمن وللثوار قد اختفى.
ارتفع صراخه وهو يردد:
“أنا استرقت امسكوا السارق” لكن في تلك الأثناء كانت الأصوات الثورية الهادرة أكثر حماسة، فقرر الذهاب إلى المنصة حيث قيادة الساحة وحيث لا يظلم عندها أحد وأخبرهم أنه تعرض لسرقة، لكنهم اتهموه أنه بلطجي مندس وأنه ما جاء إلا لتشويه الساحة والثوار وقاموا بضربه وكأنه حمار دخل المسجد.
خرج والدموع تملأ عينيه والدماء على ملابسه من شدة الضرب لكنه قرر في هذه المرة أن يلجأ إلى أقرب قسم شرطة فالدولة والنظام والقانون هو من سيحميه ويعيد له حقه، وفي قسم الشرطة عندما علم الضابط المستلم بما حدث أجابه بحزن:
(القانون لا يحمى المغفلين يا عزيزي)، عندها جثى على ركبتيه وهو يبكى ويتذكر أنه فقد كل ما يملك، فقد زوجته وأطفاله ومزرعته والمستقبل الجميل، حينها لعن نفسه واليوم الذي خرج فيه واهمًا بمستقبل جميل مزيف.