أثر الفراشة لا يزول

حنان مبروك:

كم من “فراشة” تترك أثرها في حياتنا دون أن ننتبه له؟
لا ينتبه العالم ونحن جزء منه للأشياء الصغيرة والبسيطة. لا نهتم بتأثيراتها علينا وعلى الحياة، حتى تتراكم آثارها الصغيرة وتصنع فارقا كبيرا فينا وفي الحياة.

فتحت اليوتيوب، جاء أمامي فيديو لفتاة تشرح قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش أثر الفراشة، من ديوان شهير حمل الاسم ذاته وجاءت قصائده ليصف فيها درويش بعضا منه ومن نظرته للحياة، بضع كلمات اختصرت أثره في الحياة وأثره في الناس.

أثر الفراشة هذا، يربطه البعض بنظرية الفوضى وهي نظرية مهمة جدا في الحياة، لكن المصطلح لم يكن مستخدما قبل العام 1963 حين استعمله عالم الرياضيات الأميركي إدوارد لورينتز الذي رأى أن شيئا بسيطا كرفرفة جناحي فراشة، يمكن أن يسبب دمارا في أقصى أنحاء العالم، مصطلح وصف به العالم الترابط والتأثير المتبادل أو المتواتر والناتج عن فعل تافه، بمعنى أن فعلا صغيرا جدا تنتج عنه سلسلة أحداث متتابعة ومترابطة.

نظام تأثير الفراشة يصور سلوك ديناميكية الكون، ففرق بسيط يمكن أن يسبب سلسلة من الكوارث، شرارة توقد في غابة ستحرقها بالكامل، الشرارة صغيرة ولا حجم لها لكن تأثيرها كبير ومدمر.

وكم من “فراشة” تترك أثرها في حياتنا دون أن ننتبه له؟ ثم بعد فترة نستغرب مما يحصل؟

يقول درويش “أثر الفراشة لا يرى أثر الفراشة لا يزول”، كلمات ذكرتني بتأثير فراشات كثيرة في حياتنا وأولها الكتب، إنها فراشات قادرة على تغييرنا جذريا، إنها تغير الفكرة التي تسكن عقولنا وإن تغيرت الفكرة تغير الإنسان.

“أنت ما تأكله” الذي كتبته الدكتورة جيليان ماكيت هو أيضا كتاب يدور في فلك أثر الفراشة، قد يتفه البعض من قيمة ما يأكله، “إنها مجرد قطعة حلوة” هكذا يقول أحدهم بينما يسخر الآخر “السيجارة هي الوحيدة التي تحترق من أجلي”، ثم يصاب الأول بالسكري ويدخل في دوامة من الأمراض المتصلة به ويقضي الثاني آخر أيام حياته مريضا ويعاني مشكلات في جهازه التنفسي، كل هذا طبعا إن لم يصب بسرطان الرئة ويستغرب كيف مرض به وهو منقطع عن التدخين منذ سنوات.

في كتاب “جسمك يتذكر كل شيء” نقل بيسيل فان دير كولك خبرة ثلاثة عقود مع الناجين من الصدمات، ليخلص إلى أن كل شيء له تأثير عميق جدا في أجسامنا، إن نسيه عقلك بطلب منك لن ينساه جسمك، وسيعبر عنه بطرق شتى تبدأ بالأمراض وتنتهي بالفن والإبداع.

بعيدا عن الكتب التي لا يحب الغالبية قراءتها، لو تأمل كل واحد منا حياته أو حياة أقرب الناس إليه لوجد أثر فراشة من الفراشات واضحا عليه، يقوده نحو نسخة أفضل أو أسوأ منه.

أنت باختصار تلك الفراشات التي لم تنتبه إليها، سواء كانت الفراشة فكرة أم سلوكا أم طعاما أم بشرا ترافقهم وتمنحهم بعضا من وقتك، مرة تلو مرة يغيرونك، يكفي أن تتأمل حياتك، آخر 5 سنوات منها، ابتعد قليلا وتأمل آخر عشر سنوات منها، ستجد أن هناك سلوكا صغيرا، طعاما، شخصا، عادة كررتها دون اهتمام كبير لكنها أحدثت فيك فرقا كبيرا، لقد عملت فيك بجد ونحتتك لتصنع لك ما أنت عليه الآن.

إنها خير إثبات للمثل الشعبي التونسي “الدوام ينقب الرخام” فأي فعل تكرره حتى وإن لم تنتبه له يمتلك مع مرور الزمن قوة مؤثرة وتغييرية هائلة.

“أثر الفراشة” فكرة خطيرة جدا، لمن يدركها أن يسعى لاختيار الفراشات المؤثرة في حياته. وأن يكون فراشة تحدث نقلة في حياة الآخرين إلى الأفضل.

العرب

صحافية تونسية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى