أشعر بالتوجس من بعض من يسمون أنفسهم وسطاء بين الناس

عبدالباري قاسم:

أشعر بالتوجس من بعض من يسمون أنفسهم وسطاء بين الناس، أولئك الذين يتطفلون على مشاكل الآخرين بحجة الإصلاح، بينما غايتهم الحقيقية لا تخرج عن مصلحة مادية، أو محاولة ترسيخ نفوذ هش، والأكبر من ذلك أن المشكلة تُعلق، حتى تكبر وتتكرر، دون أن يلمسها أي حل.

بالمقابل هناك شخصيات مختلفة في الحياة، وأثق كثيرًا أن أي شخص يقدم نفسه بسلوكه وتأثيره، وبصمته الصادقة، لا ينتظر إمتنان على أعماله، ولا يحتاج إلى من يتحدث عنه.

مقالات ذات صلة

هذا وليد، ابن قريتنا، وامتدادًا لروح أصيلة عرفناها في والده، سعيد العاقل، الذي كان في يوم من الأيام وجه القرية وصوتها العاقل فعلًا. لم يكن يحل المشاكل فحسب، بل كان يساعد الناس في شؤونهم الخاصة، بكرامة وهدوء، فتح العديد من البيوت المغلقة على نور المصالحة. وحين غاب بسبب المرض، غابت معه قدرة القرية على لملمة شتاتها.

فدخلت القرية في مرحلة فراغ مربكة، وبرزت، فجأة أصوات كثيرة تدعي المشيخة، تتصدر الوجاهة، وتكثر من الكلام بدون أي أفعال حقيقية، لم يصنعوا سوى مساحات جديدة للخلاف، شقوا الصفوف، وعجزوا عن فهم طبيعة الألم الجديد الذي فرض على الناس مع الحرب، وتوسع الفقر، وغياب الأمن.

إلا أن وليد، لم يكن من هذه الفئة الجديدة، صحيح أنه ليس موجودًا في القرية بشكل دائم، ومع ذلك يعود، يعود في الوقت المناسب، حين يحتاجه الناس، ومن دون أن يطلبه أحد.

يستحضرني وليد في هذه اللحظة والكتابة عنه هنا، كونه ليس مُصلحًا اجتماعيًا بالمعنى التقليدي، شخص يملك رصيدًا أخلاقيًا في قلوب أهل القرية، رصيدًا لم يرثه من والده، بل بناه بنفسه خطوة بخطوة وبفعل حاضر، يفصل الخصومات، ويعيد الألفة واللغة المشتركة بين المتخاصمين، ويجعلهم يتعاونون، كأن شيئًا لم يكن.

ليس هذا فقط، يقف في أفراح الناس وأحزانهم، يمد يده دون انتظار شكر، ويتكفل بمشاريع صغيرة، لكنها عظيمة الأثر، وتبني مستقبلًا للقرية التي لم تر من الدولة سوى الغياب.

يتحمل ما يقوم به كمسؤولية شخصية، وحضوره دائمًا لا يحتاج إعلانا ولا مقدمة ولا صورة مع سلاح أو شعار، وهذا وحده يكفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى