التحول الوحشي

الصحافي والكاتب صلاح الحقب:

كانت الضفدعة تبحث عن شيء يسد جوعها ظهيرة هذا اليوم ، لم يجد ذاك الشقي بد من دهسها بقدمه مرة تلو أخرى حتى سحقها، لم تكن مصادفة أبدا، ولا يمكننا الحكم على الأمر بصورة خاصة باعتباره سلوكا منفردا ، بقدر ما هي نزعة وحشية تتسرب إلى ذواتنا يوما بعد آخر وليست الضفدع وحسب ضحية هذه النزعة بل كل حيوان لا ينتفع منه الإنسان ذات الدماغ الوحشي وإن كان لا يؤذيه.

في زاوية من هذا البلد كادت طفلة صغيرة أن تخضع لعملية جراحية لتوسعة الحوض، بغية تهيئتها للحمل كما لو أنها آلة صغيرة يتصرف بها ميكانيكي ماهر ، وتلك غاية والدها إذ كان ينوي تزويجها دونما رحمة لروح الطفلة التي لا تدرك بعد معنى أن تغادر بيتها وأن يفترسها أحدهم بمعنى الزواج!وما هو الزواج أصلا ؟ أو رحمة

بجسدها الذي لم يكتمل نموه بالصورة التي تناسب الحمل والولادة.

ثمة تحول مريب لطبيعة الإنسان اليمني، هنالك وحش فاتك يكبر داخل هذا الإنسان في مرحلة بات بها الحيوان أرأف وأقل عدوانية منه، كأنما أبدلت الطبيعة نزعة هذا الكائن بذاك.

قبل أيام قليلة، فتاة تجعل من الإنتحار سبيلا للخلاص من الآلام والمخاوف التي عذبتها نتيجة ابتزاز أحدهم، ما شعور ذاك المبتز وهو يدفع بها للهلاك ويجعل أحدهم يعيش في هلع دائم ورهبة وعذاب؟! الأمر سيان بالنسبة للدوافع التي تمنح ذلك الوحش طبيعة ملائمة للنمو والفتك بالضحية .

أعرف صديقا موهوبا وشاعرا بديعا، ينام طيلة النهار كي لا ينال منه جوعه، وكي تصبح وجبته الوحيدة متاعا كافيا لسفر اليوم الطويل لاسيما في الشتاء الذي يحمل معه كابوس هذا البائس المنسي ، ما قيمة الإنسان الموهوب وحوله الجوع وحده ؟! تخذله الظروف وطبيعة الحال وليس ثمة ما يفعله والوحش الكاسر يكبر من حوله في ذوات من يعرفهم وحريٌ به أن ينأى بنفسه بعيدا عنهم.

وذاك شاب آخر ، يدوسه أحدهم ، ويشعر بانتشاء وهو يتأمل قدمه على وجه ذاك التعس المهزوم ، بصورة مؤسفة ومحزنة، تناقلها الكثير في مواقع التواصل الاجتماعي.

اليوم يتناقل الكثير صورة عجوز ضحية، القى بها أحدهم من أعلى بناية، ويقتل إبنتها كما يصف ناشروها.

لعلنا لا نلاحظ المدى الزمني الفاصل بين هذه الأحداث!!! ليس بالمدى البعيد، يوحي لنا الزمن خطورة التحول المريب، وسرعته التي تجعل من طبيعة هذا الإنسان طبيعة وحشية وكارثية.

كل ما له صلة بالحياة يموت وينطفئ، فكرة الغاب تطغى، فكرة الصراع تسود، لا جدوى من العيش دون هذا العنف، دون هذه الوحشية، وهذه هي الاعتبارات التي ينبغي للإنسان أن يعيشها ويؤمن بها: الموسيقى خطيئة، العلم مضيعة للوقت، الثقافة انحلال وتجرد من القيم ، الأدب ترهات مالم يمجد غاية الصراع.

أخشى أن تطالنا تلك النزعة.

وإن نجى أحدهم وانتصر على ذلك الوحش في ذاته، كيف سينجو منه وهو يطاله بالأذى من ذات أخرى؟!

هذا التحول مريب جداً، وكارثي أكثر مما قد نتخيله أبدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى