التغيير سنه كونيه ومصير حتمي

كتب الدكتور/ أمين عبدالخالق العليمي

في تلك القرية الواقعة بين الجبال، كانت الحياة تسير ببطء، كما لو أن الزمن قد توقف عند زمنٍ بعيد.

البيوت المتواضعه والمتلاصقه تستلقي بهدوء تحت أشعة الشمس، والحقول والاحوال والشعاب الممتدة على أطراف القرية تروي حكايات جهد وعناء الأجيال، كان الناس في القرية يرون العالم من خلال حدود جبالهم، كأنها أسوار تحميهم من كل جديد وتحصنهم داخل إرثهم القديم.

في قلب هذه القرية، كان هناك رجل يتصدر المشهد، كان حكيماً في عيون الناس، عالماً بأصول الماضي، وقوياً في اتخاذ القرارات، ولكنه كان يرى كل جديد كتهديد لمكانته وكسرٍ للروابط التي جمعت الناس حوله لعقود، يرى أن الماضي وحده هو الضامن للبقاء، وأن أي محاولة لتغيير الوضع ستجلب الفوضى والخراب.

لكن الحياة لا تعرف السكون، بين الجبال التي ظلت ساكنة لقرون، كانت بذور التغيير تُزرع بصمت في قلوب الشباب، بدأوا يتساءلون عن جدوى السير على خطى الماضي دون التفكير في المستقبل، عن أسباب بقاء الطرق مغلقة والحقول جامدة والطموحات محاصرة.


كانوا ينظرون إلى القرى البعيدة التي أضاءتها الكهرباء، وإلى المدن التي تقدمت، ويسألون أنفسهم: لماذا نظل هنا نتغني بأمجاد مضت بدلاً من أن نصنع أمجادنا؟

في أحد الأيام، قرروا أن يقوموا بشيئاً مختلفاً!


اجتمعوا في الظلال، بعيداً عن أعين كبار القرية، وتحدثوا عن أحلامهم، أرادوا أن يبنوا مدرسة للأطفال، أن يشقوا طريقاً إلى المدينة، أن يأتوا بمياه نظيفة، كانوا يعلمون أن الطريق ليس سهلاً، وأن مقاومتهم لن تكون فقط من الجبال، بل من عقولٍ أبت أن ترى المستقبل خوفاً من فقدان السيطرة، مقاومتهم ستكون من صاحب مصلحه يستثمر القريه بعيداً عن اعين الناس، من تاجر سلاح يغذي الصراعات ويريد البقاء للوضع علي ماهو عليه لكي يبيع سلاحه.


من سياسي بني حزب شخصي له ولاسرته واعوانه والمقربين واصحاب المصلحة ويستفيد من الفتات ومناصب تقبيل الرُكب ويري في التغيير كارثه تصيبه.


من تاجر عقارات ثري يري في التغيير مشاركه له في فوائده من الاستثمار وعائق لنهب الارض، ومن عنصري يري أنه هو وقبيلته وفئته الأحق بكل شئ والآخرين عبيد لايحق لهم حتي مجرد الحلم أو التفكير بالطموح،

ولكن باصرار المخلصين والاوفياء بدأوا أولى خطواتهم، كان الضجيج في القرية لا يهدأ، الانتقادات كانت تُلقى كالرماح، والخوف كان يسيطر على الجميع.


لكنهم لم يتراجعوا.


كانوا يعلمون أن العالم لا ينتظر، وأن الجمود هو أكبر عدو لهم،

وفي ليلةٍ مظلمة، حين بدا كل شيء ساكناً كالمعتاد، أضاءت الساحة الرئيسية بضوءٍ لم تعرفه القرية من قبل.


كانت المصابيح التي نصبها الشباب تنير وجوه الأطفال وأحلامهم، تجمع الناس في الساحة، ينظرون إلى الضوء كأنه شعلة أمل لم يعرفوها، خرج الرجل الكبير من بيته، ونظر إلى الضوء بعينين تحملان مزيجاً من الغضب والدهشة.

وقف أمام الشباب، وصمت الجميع، كان يعلم أن التغيير قد بدأ، وأنه لا يمكن العودة إلى الوراء، كانت كلماته بطيئة وثقيلة، لكنه قالها بصوت يحمل اعترافاً خفياً: “الحياة لا تنتظر أحداّ  إذا كان هذا هو مستقبلكم، فلتأخذوا بأيدينا إليه.

في تلك اللحظة، أدرك الجميع أن الماضي، مهما كان عظيماً، لا يمكن أن يكون سقفاً يحبس الأحلام، أدرك الرجل الكبير أن التغيير ليس عدواً، بل قانوناً من قوانين الكون، وأن مقاومته لن تجلب سوى مزيدٍ من العزلة.

بدأت القرية في التحول، خطوةً بخطوة، لم يكن الطريق سهلًا، ولم تُحل كل المشاكل، لكن الشعلة التي أضاءت الساحة تلك الليلة بقيت مضيئة في قلوب الناس ولن تختار إلا رشاد بافكاره التحديثيه، واساليبه النبيله، وليونته الرشيده، وطموحه القيادي الجديد والحديث.

هكذا علمت القرية أن الحياة تسير إلى الأمام دائماً، وأن الجمود لا يجلب سوى الفناء، وأن ليس للقرية إلا رجال التنوير ، وادركوا ان التغيير ليس اختياراً، بل حتمية لا مفر منها، وصوت العقل هو ما يقود للاستجابة لهذه الحتمية، لا البكاء على أطلال الماضي وأمجاده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى