الحصاد المبكر في اليمن.. أزمة تهدد الأمن الغذائي

رواها 360:

المختص الزراعي الشاذلي: تحديات المناخ وسوء إدارة الجانب الزراعي وغياب يضاعف التحديات

_ تشهد اليمن، خاصة المناطق الجنوبية من محافظة تعز، تكرار ظاهرة “الحصاد المبكر”، وهي عملية يتم فيها جمع المحاصيل قبل نضجها الكامل، على الرغم من استمرار الأمطار الضرورية لتحسين الإنتاج.

هذه الظاهرة تعكس أزمة أوسع يعاني منها القطاع الزراعي في اليمن، إذ يواجه تحديات متعددة تتعلق بضعف الإدارة وغياب الإرشاد الزراعي، مما يُهدد الأمن الغذائي ويُضعف استدامة الزراعة بالتزامن مع تفاقم أزمتي الغذاء والعملة المحلية جراء جراء الحرب التي دفعت البلاد نحو أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وفي ظل هذه التحديات، يعاني المزارعون من انخفاض الإنتاجية وارتفاع أسعار المنتجات، خاصة مع غياب دور المنظمات الزراعية والجهات الحكومية مثل وزارة الزراعة ومكاتبها في المحافظات. ومع سيطرة بعض المحاصيل على المشهد الزراعي وتراجع زراعة أخرى، تزداد التحديات التي تهدد مستقبل الزراعة في اليمن. 

في السياق، قال د. أنور الشاذلي، اختصاصي في الزراعة وقضايا البيئة وتغير المناخ بجامعة تعز، في حديثه لـ”خيوط”، إن حصاد المحاصيل الزراعية قبل نضجها يشير إلى عملية يُطلق عليها “الحصاد المبكر”، والتي تؤدي إلى خسائر زراعية واقتصادية فادحة. وأشار إلى أن هذه العملية تعني جمع المحصول قبل انتهاء فترة نموه الطبيعية في التربة أو على الشجرة. 

ولمح إلى أن المحاصيل التي يتم حصادها في غير وقتها، سواء كانت حبوبًا، خضروات، أو أشجار فاكهة، تفقد جودتها وقيمتها. كما أكد أن لدينا 33 نوعًا رئيسيًا من المحاصيل، يتطلب كل منها الالتزام بمواعيد الحصاد المناسبة وفقًا لدورة النمو. وشدد على أن الحبوب، على سبيل المثال، إذا حُصدت قبل اكتمال نضجها الفسيولوجي، تُصبح ذات طعم مر ووزن غير اقتصادي، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني ويضعف تنافسيتها في السوق. 


وأشار الشاذلي إلى أن الخضروات التي تُطرح في الأسواق قبل نضجها الكامل قد تؤدي إلى مشاكل صحية، مثل الإسهالات واضطرابات معوية. وضرب مثالًا بثمار الطماطم، التي قد تبدو ناضجة من الخارج ولكنها غير مكتملة من الداخل، حيث يبقى لبها أبيض وغير جاهز للاستهلاك. 

ولفت إلى خطورة استخدام أساليب النضوج الصناعي، مثل رش الثمار بمواد كيميائية لتسريع نضجها، والتي تُعرف بعملية “الكربنة”. وأوضح أن هذه الثمار قد تنضج ظاهريًا خلال 24 ساعة فقط، لكنها تحمل مخاطر صحية، مثل التسبب في أمراض خطيرة للمستهلكين. وأضاف أن هذه الممارسات تؤدي إلى خسائر على المستويين الزراعي والاقتصادي، فضلًا عن تأثيرها السلبي على سمعة المحاصيل المحلية في الأسواق.

تحديات الزراعة: هيمنة القات وانحسار المحاصيل الغذائية 

يعد اعتماد المزارعين في بعض المناطق على زراعة القات على حساب المحاصيل الغذائية مثل الذرة والدخن من أبرز التحديات التي تهدد الأمن الغذائي في اليمن. فبينما كانت محاصيل الذرة والدخن وغيرها من الأصناف الزراعية تشكل جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي للسكان المحليين، تراجعت زراعتها بشكل كبير في العقود الأخيرة، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على استيراد المواد الغذائية من الخارج. 

يستنزف القات كميات كبيرة من الموارد الطبيعية، خاصة المياه، إذ تتطلب زراعته كميات كبيرة من الري المستمر. هذه الهيمنة تهدد التنوع الزراعي وتضعف من مرونة القطاع الزراعي في مواجهة التحديات الاقتصادية والمناخية، كما تزيد من تهميش المحاصيل الأساسية التي يحتاجها السكان لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.




أزمة المياه وغياب الترشيد 

تمثل التحديات المائية في اليمن معضلة كبيرة للقطاع الزراعي، حيث تعتمد الزراعة بشكل أساسي على المياه الجوفية والأمطار الموسمية التي أصبحت غير منتظمة بفعل التغيرات المناخية. في ظل غياب سياسات رشيدة لإدارة المياه، تتفاقم المشكلة مع الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية، خاصة في زراعة القات التي تستهلك كميات هائلة مقارنة بالمحاصيل الأخرى. 

يؤدي ضعف الترشيد المائي إلى انخفاض مناسيب المياه الجوفية، مما يهدد استمرارية الزراعة في المستقبل القريب. ومع استمرار هذه الأزمة دون حلول جذرية، قد تواجه اليمن أزمة مائية حادة تفاقم من انعدام الأمن الغذائي، لا سيما في المناطق الزراعية التي تعتمد على الري المستمر.



أزمة المياه وغياب الترشيد 

تمثل التحديات المائية في اليمن معضلة كبيرة للقطاع الزراعي، حيث تعتمد الزراعة بشكل أساسي على المياه الجوفية والأمطار الموسمية التي أصبحت غير منتظمة بفعل التغيرات المناخية. في ظل غياب سياسات رشيدة لإدارة المياه، تتفاقم المشكلة مع الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية، خاصة في زراعة القات التي تستهلك كميات هائلة مقارنة بالمحاصيل الأخرى. 

يؤدي ضعف الترشيد المائي إلى انخفاض مناسيب المياه الجوفية، مما يهدد استمرارية الزراعة في المستقبل القريب. ومع استمرار هذه الأزمة دون حلول جذرية، قد تواجه اليمن أزمة مائية حادة تفاقم من انعدام الأمن الغذائي، لا سيما في المناطق الزراعية التي تعتمد على الري المستمر.



تأثير المناخ على الزراعة


تشكل التغيرات المناخية تحديًا كبيرًا للقطاع الزراعي في اليمن، حيث أصبحت الأمطار غير منتظمة ومتقلبة، مما يعطل دورات الزراعة والحصاد ويؤثر على إنتاجية المحاصيل. تعاني بعض المناطق من فترات جفاف طويلة، بينما تواجه مناطق أخرى سيولًا مفاجئة تُلحق أضرارًا بالمحاصيل والبنية التحتية الزراعية. 

تزداد خطورة هذه التحديات في ظل غياب استراتيجيات وطنية فعالة للتعامل مع التغير المناخي. لا توجد خطط زراعية تواكب هذه التحولات، ما يجعل المزارعين أكثر عرضة للخسائر، ويهدد مستقبل الزراعة في البلاد.

ودعا الشاذلي إلى ضرورة تبني الدولة سياسات زراعية واضحة وتنسيق الجهود بين الأجهزة المختلفة، مع إدخال تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط والرش، لتوفير المياه وزيادة كفاءة الري. كما أشاد بدور بعض المنظمات الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الفاو، في نشر ثقافة الري الحديث التي تعتمد على حساب دقيق لاحتياجات النباتات خلال الموسم الزراعي.

وأضاف أن التقنيات الحديثة وفرت حلولاً فعالة لمواجهة الجفاف وتقليل هدر المياه مقارنة بري الغمر التقليدي، الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه مع كفاءة لا تتجاوز 45% في بعض المناطق.


ضعف الثقافة الزراعية وأثرها في تفاقم الأزمة 

تعاني الزراعة في اليمن من غياب ثقافة زراعية راسخة لدى المجتمع المحلي. حيث يتجه العديد من المزارعين إلى اتباع ممارسات تقليدية قد لا تكون مناسبة للتغيرات المناخية والاقتصادية الحديثة، مما يفاقم أزمة الإنتاجية. كما أن نقص التدريب الفني والوعي بأهمية التوقيت المناسب للزراعة والحصاد يؤدي إلى خسائر كبيرة في المحاصيل. 

يسهم هذا الضعف الثقافي في تراجع زراعة المحاصيل الغذائية الأساسية، ويفاقم من الاعتماد على محاصيل تجارية مثل القات، التي لا تسهم في تحسين الأمن الغذائي. وتزيد هذه المشكلة مع غياب الدور الإرشادي الفاعل من قبل المنظمات الزراعية والجهات الحكومية، ما يترك المزارعين دون توجيه مناسب أو تدريب يمكنهم من تحسين إنتاجهم.

في هذا الاتجاه، علق د. أنور الشاذلي، المختص البيئي والزراعي، في حديثه مع “خيوط” بأن القطاع الزراعي في اليمن يواجه تحديات جسيمة، خاصة في السنوات الأخيرة، نتيجة التغيرات المناخية والجفاف المتكرر، إضافة إلى الفيضانات وانجراف التربة. وأوضح أن هذه العوامل ساهمت في تقليص المساحات الزراعية وتراجع الإنتاج، مما فاقم أزمة الأمن الغذائي في البلاد.

واستطرد الشاذلي موضحًا أن المساحة الصالحة للزراعة، التي كانت تُقدر بنحو مليوني هكتار، تقلصت بسبب التصحر وتدهور الأراضي وانهيار المدرجات الزراعية. وأضاف أن ندرة المياه تفاقمت نتيجة انخفاض معدلات الأمطار وارتفاع التبخر، مما أدى إلى استنزاف غير منظم للمياه الجوفية، وهو ما يشكل خطراً إضافياً على البيئة والإنتاج الزراعي.

ونبه الشاذلي إلى أن سوء إدارة المياه يمثل تحديًا كبيرًا، حيث لا يتم الاستفادة سوى من أقل من 1% من الأمطار السنوية. وأشار إلى أن العجز في المياه، الذي يُقدر بمليار متر مكعب سنويًا، يتم تعويضه من خلال استنزاف المياه الجوفية. كما أكد أن مليارات الأمتار المكعبة من مياه الفيضانات تهدر بلا فائدة، مُحدثة أضراراً للمزارعين عبر سحب التربة والأشجار إلى البحر.


دعوة إلى تحسين الممارسات الزراعية 

استجابة لهذه التحديات، أطلق وجهاء ومشائخ عزلة الجبزية دعوة إلى المزارعين لتأجيل الحصاد إلى حين نضج المحاصيل. جاء في دعوتهم التأكيد على أهمية الصبر حتى اكتمال نضج المحاصيل، مشيرين إلى أن التعجل في الحصاد يمثل “بطرًا” لنعم الله، مما قد يؤدي إلى نقص البركة وتدهور الإنتاج.

أشار البيان إلى تجربة العام الماضي، حيث أدت عمليات الحصاد المبكر إلى ضعف الإنتاج وتراجع الأمطار، ما انعكس سلبًا على حياة السكان واحتياجاتهم الأساسية. ودعا الوجهاء إلى اتخاذ خطوات استباقية هذا العام لمنع تكرار الأخطاء ذاتها، عبر التعاون بين المجتمع المحلي والجهات المسؤولة.



وكان من المفترض أن تلعب الجهات الحكومية مثل وزارة الزراعة دورًا محوريًا في توجيه المزارعين نحو الممارسات الزراعية السليمة، لكن غياب هذا الدور أسهم في تفاقم الأزمات الزراعية. تفتقر المناطق الريفية إلى خطط واضحة للزراعة الموسمية، ولا توجد حملات توعوية كافية لنشر ثقافة زراعية تواكب التحديات المناخية والاقتصادية. 

كما أن غياب التعاون بين المنظمات المحلية والدولية والجهات الحكومية يعيق تنفيذ مشاريع زراعية مستدامة يمكن أن تعزز الإنتاجية وتحسن الأمن الغذائي. إن هذا الغياب يترك المزارعين في مواجهة التحديات بمفردهم، دون الدعم الفني والمعرفي اللازم.

حلول

لمواجهة هذه التحديات، يجب أن تتبنى الجهات المسؤولة حلولًا مستدامة لتعزيز القطاع الزراعي في اليمن. ينبغي إعداد خرائط زمنية واضحة تحدد مواعيد الزراعة والحصاد لكل محصول، بما يتناسب مع الظروف المناخية لكل منطقة. كما يجب إطلاق حملات توعية مكثفة تستهدف المزارعين في المناطق الريفية لتوعيتهم بأهمية الترشيد المائي واستخدام تقنيات الزراعة الحديثة. 



وأوصى الشاذلي بأهمية تعزيز التوعية والإرشاد الزراعي، وتقديم دعم حكومي لتوفير بذور هجينة ذات إنتاجية عالية، بعيدًا عن الاعتماد على البذور التقليدية، التي غالبًا ما تكون غير نقية وتتطلب كميات كبيرة من الأسمدة والمبيدات. وحذر من أن هذه الممارسات تؤدي إلى تلوث المياه الجوفية، وتؤثر سلباً على صحة الإنسان، كما تسهم في القضاء على التنوع الحيوي والحشرات النافعة.

إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز دور الجمعيات الزراعية لتكون حلقة وصل بين المزارعين والجهات المختصة، وتقديم الدعم اللازم في التدريب والتوجيه. كما ينبغي إدماج المناهج الزراعية في المدارس لتعزيز الثقافة الزراعية لدى الأجيال الصاعدة، مما يسهم في نشر الوعي بأهمية الزراعة واستدامتها.

وأكد الشاذلي أن إصلاح القطاع الزراعي يتطلب تفعيل أجهزة الإرشاد الزراعي ودعم الفلاحين ببرامج فعالة في مختلف المجالات. كما شدد على أهمية تكاتف الجهود بين وزارات التخطيط والزراعة والبيئة لضمان توجيه الاستثمارات بشكل صحيح نحو مشاريع زراعية مستدامة. وأضاف أن اليمن يواجه تهديدات خطيرة على مستوى الأمن الغذائي، حيث يتم استيراد 90% من الاحتياجات الغذائية من الخارج، مما يعرض أكثر من 75% من السكان لخطر الجوع. وأوصى بضرورة توجيه الدعم الخارجي والمنح بشكل فعال لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات.

تعد أزمة استعجال الحصاد في اليمن بشكل عام نموذجًا مصغرًا للمشكلات التي تواجه القطاع الزراعي في اليمن. كما إن غياب الوعي الزراعي، إلى جانب التحديات المناخية والمائية، يهدد مستقبل الزراعة ويضعف من قدرة البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.

 

تقرير: رشيد سيف

جميع الصور من حائط الصحافي على فيسبوك :

Osama kurbosh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى