الحياة… ذلك الكتاب المفتوح على كل فصول التناقضات

د. أمين عبدالخالق العليمي:
الحياة، يا صديقي، أشبه بمسرح هزلي نؤدي فيه أدواراً تتغير وفقاً لتقلبات الحظ وتقلب المزاج،
هي لوحة ترسمها فرشاة الأمل، تلطخها أحياناً بُقع الحزن، وتزينها ضربات الفرح الخاطفة،
نحاول أن نفهم هذا النص المفتوح، فنغرق في متاهة الأسئلة: لماذا الخير والشر يتجاوران؟
ولماذا الفرح والحزن يتبادلان التحية كل صباح؟
تأمل معي هذا المشهد: أب يجلس مع ولده المطيع، يشعر بالفخر كأنه ملك العالم، بينما في ركن آخر أب يدفن رأسه بين يديه، متسائلًا كيف صار ابنه عاقّاً.
أم تحتضن أبناءها وتغمرهم بحنانها، بينما أخرى تبكي وحدتها بعد أن تركها الأبناء كأنها ذكرى قديمة منسية، في هذا المشهد تتبدى لنا حقيقة مّرة: الحياة ليست سوى مسرح عبثي، بعضنا يؤدي فيه دور البطل، وبعضنا الآخر يلعب دور الضحية،
لكن، دعنا من الدراما قليلاً! لنمزجها بروح الدعابة، تلك النكهة التي تجعل العبث أكثر احتمالاً، أليس من المضحك أن ترى شخصاً يسابق الزمن لتحقيق ثروة ثم ينفق نصفها على أدوية ضغط الدم؟
أو أن يلاحق آخر السعادة وهو لا يدرك أنها قد تكون في فنجان قهوة بسيط مع صديق قديم؟
الحياة ليست عادلة، نعم، لكنها ليست جائرة تماماً أيضاً،
إنها أشبه بكتابٍ ضخمٍ مليء بالمفاجآت، تجد في صفحةٍ منه ضحكة، وفي الصفحة التالية دمعة، وها نحن نمضي في قراءته، نحاول أن نفهم، أن نرتب الفوضى، ولكن عبثاً نحاول،
والأدهى من ذلك، أننا إذا قررنا يوماً أن نترك هذا الكتاب لخالقه ونكف عن محاولة الفهم، يأتي إلينا بشروحات جديدة، وكأنه يقول لنا: الحياة ليست معقدة كما تظنون، أنتم من يعقدها!
فلنتفق إذن أن نعيشها كما هي، بعبثها وجدّها، بضحكاتها ودموعها، فلنضحك على سخافة المشهد أحياناً، ولنبكِ إن لزم الأمر، ولكن دون أن ننسى أن نستمتع بالعرض حتى النهاية،
فإن كانت الحياة كتاباً كبيراً، فلنكن نحن المؤلفين الذين يضفون على الصفحات نكهة فريدة، لا يضاهيها سوى ابتسامة ساخرة تطل من بين السطور،
وختاماً، نأمل كما يأمل المؤلف والمخرج، في نهاية المسرحية: وصول الفكره، والجمهور استمتع وضحك واحياناً نختتم بالبكاء والحياة مستمرة… ومزيد من التصفيق! .