الخبز والبيان .. من يفهم الشعب؟

عديل عقلان/
في لحظة حرجة من عمر الاقتصاد اليمني، حيث تتداخل معاناة المواطن مع تعقيدات السوق، صدر بيان مجموعة هائل سعيد أنعم، فتضاعفت الأسئلة أكثر مما وُضحت الإجابات.
انخفضت أسعار الصرف، وارتفعت الأصوات مطالبة بخفض الأسعار، وبين لهجة الشارع الغاضبة، ولهجة البيان الحذرة، فُتح باب الجدل على مصراعيه: من المسؤول عن معاناة الناس؟ ومن يفهم حقًا احتياجاتهم؟
ليس من الغريب أن يكون المواطن هو أول من يشعر بالخسارة في أي اضطراب اقتصادي. الجوع لا ينتظر السياسة النقدية، ولا يفهم لغة “إعادة التسعير المدروس”. ما يريده الناس بسيط جدًا: أن ينعكس أي تحسن اقتصادي، مهما كان طفيفًا، على السلع الأساسية التي ترهق ميزانياتهم اليومية.
ومع ذلك، فإن تحميل بيت هائل، بكل ثقله وامتداداته، مسؤولية كل ما يحدث، ليس موقفًا عادلًا ولا منتجًا. فهذه المجموعة ليست دكانًا صغيرًا يمكنه أن يغيّر أسعاره من يوم إلى آخر، بل هي كيان اقتصادي وطني ضخم، يعمل وفق حسابات معقدة، ويواجه تحديات لا تقل عن تلك التي يواجهها المواطن، وإن كانت تختلف طبيعتها.
البيان الأول للمجموعة، وإن جاء بلغة تحذيرية أثارت امتعاض البعض، إلا أنه وضع إصبعه على نقطة مهمة: غياب الدولة كمُنظِّم حقيقي للسوق. فلا يمكن فرض أسعار من جهة رسمية دون ضمان استقرار نقدي، ولا يمكن اتهام التاجر بالجشع في ظل غياب آلية عادلة توفر له الدولار بسعر ثابت وواضح.
لكن، في المقابل، الواجب الوطني للمؤسسات الاقتصادية الكبرى لا يُقاس فقط بالحسابات، بل أيضًا بسرعة الاستجابة لحالة الناس. التأخر في التفاعل مع انخفاض الصرف، والتمسك بتسعيرات ماضية في ظل متغيرات واضحة، يفسَّر شعبيًا كنوع من الاستغلال، حتى وإن كان غير مقصود.
بيان المجموعة الثاني، الذي صدر كرد على الجدل، كان أكثر تفاعلًا، وأكثر توضيحًا، وقدّم نبرة أقل توتراً. لكن الضرر الشعبي كان قد وقع، والثقة قد اهتزت. وفي بيئة يغيب فيها القانون، ويضعف فيها التنسيق، وتغيب السلطة عن أداء دورها، تصبح البيانات في نظر العامة بديلاً عن الفعل، وتُقرأ بعين الخبز، لا بعين الاقتصاد.
إن المطلوب اليوم ليس الدخول في صراع مع بيت هائل، ولا تجاهل معاناة الشعب، بل إعادة صياغة العلاقة بين التاجر والمستهلك والدولة، ضمن إطار وطني حقيقي، لا يُختزل في بيانات ولا ينفجر في هاشتاقات.
الشعب لا يريد حربًا مع التاجر، بل تحالفًا حقيقيًا معه، يُبنى على الشفافية، والعدل، وتحمل المسؤولية المشتركة.
والمجموعة – مثل غيرها – مطالَبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تبادر، لا أن ترد. أن تقود بحكمة، لا أن تتذرع بالحسابات. فدورها أكبر من مجرد التكيّف مع السوق، بل أن تكون طرفًا فاعلًا في إعادة التوازن إليه.
في زمن الغموض، يصبح البيان السياسي والاقتصادي جزءًا من المعركة، لا مجرد توضيح.
وفي زمن الخبز، يصبح الصمتُ خيانة، والكلام نصف الحل.
الناس لا يبحثون عن خصوم، بل عن فهم حقيقي لأوجاعهم.
فمن سيفهم الشعب؟ التاجر؟ الدولة؟ أم البيان؟