الرئيس الأعزل والمجلس المسلح

بينما تتسارع التحولات في الإقليم والعالم نحو إعادة رسم خرائط التأثير في اليمن ، تبدو الأزمة داخل مجلس القيادة الرئاسي انعكاساً مباشراً لحالة اللاقرار ، ونتاجاً لتصميم هيكلي مأزوم ورئيس بلا مخالب .
ففي المعادلة اليمنية الراهنة ، كل أعضاء المجلس يمتلكون فائضاً من القوة المسلحة والولاء الإقليمي والامتداد الجغرافي أو القبلي ، إلا رئيس المجلس ذاته ؛ رجل بلا تشكيلات قتالية ، بلا عصبية قبلية ، وبلا ظهر داخلي أو خارجي ، سوى ماتبقى له من ثقة سعودية متآكلة .
هذا الإختلال الفاضح في موازين السلطة داخل مجلس يفترض أنه يمارس القيادة الموحدة ، حوله عملياً إلى مضمار صراعات بالوكالة ، لامجلس حكم إنتقالي ، فكل عضو فيه يستقوي ليفاوض ويفاخر بقوته العسكرية أو بثقل داعمه ، بينما يقف رئيس المجلسالمفترض دستورياً في موقع العاجز إدارياً ، والأعزل عسكرياً .
الهجوم على رشاد ، أكثر من مجرد نقد ..
وما يزيد الطين بلّة هو الحملة المنسقة على شخص الرئيس العليمي ، والتي تتجاوز حدود النقد السياسي ، إلى مربّع التصفية المعنوية والتهكم والتشهير المناطقي ، إذ يُرفق إسمه دوماً بعبارة “صاحب تعز” وكأنها تهمة ؛ في بلد إعتاد تذويب الهويات في الدولة ، صارت هوية تعز تُستدعى كشتيمة .. وهذه ليست صدفة .
تعز .. من خيانة 1914 إلى إستهداف 2025 ..
إن استدعاء إسم “تعز” مع كل إهانة ، يذكّر بتاريخ طويل من التنكيل السياسي بحق هذه البقعة ، منذ أن خُدعت بإسم “الخلافة” العثمانية عام 1914، حين لبّى ستة آلاف مقاتل من اللواء التعزي نداء الجهاد ضد الإنجليز ، ليُفاجَأوا بأن “الخلافة” نفسها تعقد صفقة سرية تسلّمهم لولاية الإمام كهدية سياسية ضمن تفاهمات الحرب الكبرى .
منذ تلك اللحظة ، لم تعد تعز تثق بأي سلطة مركزية ، ولا بأي مشروع يرفع لافتة الدولة والثورة والجمهورية ويضمر حلم الخلافة/الولاية ، فالنتيجة كانت دائماً واحدة ؛ تعز تقاتل وغيرها يقطف الثمار .
واليوم .. يبدو أن إستهداف الدكتور/ رشاد العليمي ، ليس إستهدافاً لشخص ، بل إمتداداً لذلك النسق التاريخي ؛ المتمثل بمعاقبة تعز إن تجرأت يوماً على الإقتراب من مصدر القرار السياسي ، حتى لو كان هذا الاقتراب هشاً ، رمزياً ، خالياً من أدوات التنفيذ .
مجلس السلاح والتبعية ..
المجلس الرئاسي في صيغته الراهنة ليس عقداً اجتماعياً وطنياً ، بل تحالفاً هشاً بين قوى ممزقة الولاءات ، تستقوي على بعضها البعض بزند التحالف .
مايحدث داخل المجلس ليس أزمة سلطوية فحسب ، بل نتيجة طبيعية لتعثر مشروع الدولة الاتحادية ، وتحلل المرجعيات الثلاث ، وتحول اليمن إلى مساحة نفوذ بلا سيادة.
الثقة المفقودة .. وسؤال المستقبل ..
إنعدام الثقة بين أطراف المجلس ، وتمركز السلاح خارج يد الدولة ، وانعدام التكافؤ بين الرئيس وبقية الأعضاء ، كلها عوامل تضعف السلطة وتُفشل أي إمكانية لإدارة إنتقالية حقيقية ؛ بل تُعيد إنتاج الأزمة لابصيغة إنقلاب أو حرب ، بل بصيغة تجميد شامل للدولة والمجتمع .
اليمن لاتحتاج إلى “رئيس حرب” بقدر ما تحتاج إلى رئيس شرعية حقيقية ، يمتلك أدوات القرار ، ويُمنح تفويضاً شعبياً من الداخل ، لا مجرد تفويض بلا صلاحيات يوهب من الخارج ..
والسؤال الأهم هو :
هل سيسمح الإقليم والعالم بتعافٍ سيادي حقيقي لليمن ؟
أم أن المطلوب فقط هو : رئيس أعزل ، ومجلس مفخخ ، ودولة مُعطّلة ؟