الرواية اليمنية في كتارا: بين الحضور المشرف والسؤال عن القيمة الأدبية

فتحي أبو النصر :

لم يعد من الممكن الحديث عن المشهد الثقافي العربي المعاصر دون التوقف عند جائزة “كتارا” للرواية العربية، الجائزة التي تحولت إلى منصة كبرى تسلط الضوء على الرواية العربية بمختلف ألوانها.

وفي دورتها الحادية عشرة، سجلت اليمن حضورا لافتا عبر أربعة من كتابها الذين وصلوا إلى القائمة الطويلة، في فئتي الرواية المنشورة والرواية التاريخية، وهم: حميد الرقيمي، أحمد قاسم العريقي، أحمد محمد المحفلي، وحمود نوفل.

مقالات ذات صلة

حضور يستحق التقدير، لا سيما في ظل الأوضاع الصعبة التي يعاني منها اليمن ثقافيا واقتصاديا.

رواية “عمى الذاكرة” لحميد الرقيمي جاءت في فئة الرواية المنشورة، بينما حضرت الرواية التاريخية اليمنية بثلاثة أعمال: “من أوراق مملكة سبأ” لأحمد العريقي، “إقليدس العرب” لأحمد المحفلي، و”العقل العاشر” لحمود نوفل.

وهي أعمال تحمل طابعا من الحفر في الذاكرة اليمنية والعربية، وتستعيد رموزا وشخصيات كانت ضمن التكوين الحضاري للمنطقة.

على إن هذه المشاركة الجماعية ليست مجرد تمثيل رمزي، بل تأكيد جديد على أن الرواية اليمنية قادرة على اقتحام المشهد العربي رغم العوائق، وتثبت حضورا يستحق أن يُقرأ ويُحتفى به.

لكن، ومع التقدير لكل هذا الحضور، يبرز سؤال جوهري:

إلى أي مدى تمثل جائزة كتارا معيارا أدبيا رفيعا في السرد العربي؟

من وجهة نظر نقدية، تثير كتارا الكثير من الجدل، ليس بسبب حجم الجائزة المالي السخي فحسب، بل بسبب ما يعتبره البعض “تسييلا أدبيا” جعل من الجائزة مهرجانا للنصوص المتوسطة.

فكثير من النصوص التي تصل إلى القوائم الطويلة، بل وتتوج أحيانا، تفتقر إلى العمق السردي والجماليات الفنية التي تجعل من الرواية عملا أدبيا خالدا، رغم وجود استثناءات جديرة فعلا.

وهنا تكمن المفارقة: بين جائزة تُمنح، وأدب يُصنع.!

بمعنى أدق هناك خشية حقيقية أن يتحول الحضور في كتارا إلى “حضور كمي” أكثر منه “نوعي”، اذ تطغى الاعتبارات الفنية المتواضعة أحيانا على القيم السردية العالية.

وفي ظل تضخم عدد الأعمال المشاركة، تخبو بعض النصوص المتميزة داخل هذا الزحام، ولا تنال ما تستحقه من قراءة واحتفاء.

ومع ذلك، لا يمكن إغفال الدور الإيجابي الذي تلعبه الجائزة في دفع الكثير من الكتاب العرب، خصوصا من الدول المهمشة ثقافيا مثل اليمن، إلى الحضور والانخراط في الحراك الروائي العربي.

لكن التحدي الحقيقي يكمن في أن يتحول هذا الحضور إلى مناسبة لمراجعة التجربة، وللسعي نحو رفع القيمة الفنية للنص، لا مجرد استثمار فرصة للظهور.

وبلاشك فإن التهنئة للروائيين اليمنيين مستحقة، فهم يحملون شعلة السرد في ظروف بالغة القسوة، لكن التطلع الأكبر يبقى أن تكون مشاركات كتارا المستقبلية أكثر تعبيرا عن نضج التجربة اليمنية، وأكثر صرامة في معايير التقييم من طرف الجائزة ذاتها.

ولا يفوتني هنا أن أوجه تحية خاصة للصديقين الرائعين إبراهيم فرغلي ووحيد الطويلة من مصر، فهما من أكثر الكتاب نضجا في هذا السباق، وأعرف تماما ما قدماه للسرد العربي خلال قرابة عقدين، إذ تجمع تجربتهما بين العمق الفني والاستمرار الحقيقي في تطوير المشروع الروائي العربي.!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى