الشهيد أحمد مقناش الجواسي.. قلعة صامدة من فدائيي الجنوب لم يساوم على قضية الوطن

هناء مقناش:

اليوم، الرابع عشر من أكتوبر، لا يمثل مجرد تاريخ عابر في سجلات الوطن، بل هو يوم الوقفة التاريخية، والذكرى الثانية والستين لانطلاق شرارة ثورة ١٩٦٣ المجيدة، التي أشعلت جذوة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني، وبدأت فصول التحرير والكرامة في جنوب اليمن.

وبينما يستحضر الوطن بأسره هذه الملحمة العظيمة، تقف أرواحنا عند حكايات أولئك الأبطال الذين جعلوا من أجسادهم جسوراً نحو الحرية، مقدمين أغلى ما يملكون وفاءً لوطنهم وقضيتهم.

إننا إذ نرفع الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالدي ولكل شهداء الجنوب الأبرار، نرى في استذكار بطولاتهم واجباً وطنياً وعهداً مقدساً فوالدي لم يكن مجرد مناضل عابر، بل كان نعم الفدائي الذي آمن بقضية وطنه، وحمل بندقيته بروح لا تعرف المساومة أو التراجع، فكانت حياته نموذجاً للصدق المطلق مع العهد الثوري.

الشهيد البطل

بكل الفخر والاعتزاز، نستحضر سيرة الشهيد البطل الشجاع الثائر الحر، أحمد مقناش الجواسي، إنه واحد من جيل الرجال العظام الذين عنتهم الآية الكريمة: “من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً”.

كان إيمانه بقضية التحرر عميقاً كجذور الجبال، وشجاعته متقدة كشمس الأصيل، لم يتردد لحظة في مواجهة آلة القمع الاستعماري، بل جعل من جسده درعاً ومن روحه وقوداً للحرية.

لقد كانت للشهيد أحمد مقناش الجواسي صولات وجولات مشرّفة في ميادين الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني، حيث كان جزءاً أصيلاً من خلايا المقاومة الفدائية التي عكرت صفو الاحتلال وأقضت مضاجع جنوده وضباطه.

لم يكتفِ بالتنظير، بل كان في مقدمة الصفوف، يسطر بدمائه فصول التضحية.

من أهم وأبرز البطولات التي خلدتها الذاكرة الوطنية في سجل الشهيد البطل، كانت تلك الضربة النوعية والجريئة التي نفذها مع زملائه الثوار في قلب مستعمرة عدن، وتحديداً في شارع الملكة أروى.

لقد كانت تلك العملية هجوماً مسلحاً موجعاً استهدف قائد الجيش البريطاني وجنوده، وكانت بمنزلة رسالة مدوية للقيادة الاستعمارية بأن الجنوب لم يعد أرضاً سهلة، وأن إرادة المقاومة قد تحولت إلى فعل مسلح منظم لا يهاب الموت.

تلك العملية النوعية لم تكن مجرد اشتباك، بل كانت استراتيجية تهدف إلى كسر هيبة المحتل وإثبات قدرة الثوار على الوصول إلى أهدافهم الحيوية في عمق المناطق التي ظنها المستعمر آمنة.

لقد كان الشهيد الجواسي ورفاقه تجسيداً للشجاعة المطلقة والإصرار الذي يولد من رحم الإيمان بالحق.

إرث الصمود: وعد لا يساوم

إن استذكار ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر لا يكتمل إلا باستحضار أرواح الأبطال من أمثال الشهيد أحمد مقناش الجواسي، الذين أورثونا إرثاً لا يُقدر بثمن إرث الصدق مع المبدأ، وعدم التنازل عن شبر من أرض الوطن، والاحتفاظ بكرامة لا تشترى ولا تباع.

إننا اليوم، ونحن نرى النور الذي سعى إليه هؤلاء الأبطال، ندرك حجم التضحية التي قدمت على مذبح الحرية.

ونحن كأبناء، نرفع رؤوسنا بكل فخر بهذا الأب البطل الذي لم يكن مناضلاً لوطنه فحسب، بل كان بوصلة أخلاقية وإنسانية علّمتنا أن القضايا الوطنية الثابتة لا يمكن أن تسقط بالتقادم أو تخضع للمساومة.

لقد مضى الشهيد البطل تاركاً وراءه سيرة عطرة، وعهداً يجب أن نحافظ عليه، بأن تبقى جذوة النضال مشتعلة حتى تحقيق كامل الأهداف التي ضحى من أجلها هو ورفاقه.

في ختام هذا الاستذكار، نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يتغمد والدنا الشهيد البطل أحمد مقناش الجواسي، وجميع شهداء ثورة أكتوبر الأبرار، بواسع رحمته وغفرانه، وأن يسكنهم فسيح جناته مع الصديقين والشهداء. اللهم ارحمهم واغفر لهم وأسكنهم أزهار الجنة، الفاتحة لأرواحهم الطاهرة، يرحمكم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى