الظروف المشددة والمخففة للعقاب قتل الأب لأبنه أنموذجا \”دراسة تحليلية مقارنه مُختصرة\” القاضي/ د. صالح عبدالله المرفدي.
رواها 360:
#تمهيد:
قد تجتمع في الجريمة الواحده ظرف مشدد، مع عذر أو ظرف مخفف، فكيف يتم تطبيق العقوبة على الجاني، في حال تحقق هذة الحالة؟؟ وسنحاول أن نجيب على هذا الاستفسار، من خلال تناول هذة الدراسة بشكل مختصر، ومن اربعةمحاور: نتناول في الاول تقسيمات ومفهوم الظروف والاعذار المشددة والمخففة للجرائم بصفة عامة، ونتطرق في المحور الثاني لموقف المشرع اليمني، ونأخذ نموذجاً لذلك جريمة قتل الاب لابنه، ونبين فيها اوجه الخلل والقصور واسبابه، ثم نعالج في الثالث اشكالية الجمع بين العذر المخفف (م٢٣٣) والظرف المشدد (م٢٣٤) عققوبات، ونخصص الرابع لوضع بعض المقترحات المتواضعة لمعالجة جوانب القصور.
#المحور الاول: المفاهيم والتقسيمات:
لكي ندرس هذا المحور بشكل جلي، يجب أن نعرّف السادة القُرّاء، ماذا تعني الظروف المشددة للعقوبه؟ وما المقصود بالظروف المخففة أو الاعذار المخففة؟ مع ذكر بعض الامثله لتتضح الصورة، وذلك وفقا للاتي:
– اولا: الظروف المشددة:
وهي العناصر الإضافية، التي تؤدي عند اقترانها بالجريمة، إلى تشديد العقاب، وهي اما أن تكون:
1- مذكورة نصًا في القانون: ومثالها القتل بوسيله وحشيه، أو السرقه باكراه.
2- أو ظروف تقديرية: يستخلصها القاضي من وقائع وملابسات القضية، كتصرف الجاني السلبي بعد الجريمة، أو استغلاله لوظيفته.
– ثانيا: الظروف المخففة:
وهي عناصر إضافية عند اقترانها بالجريمة، تؤدي إلى تخفيف العقاب، وهي اما أن تكون:
1- مذكورة بنص في القانون: كتنازل المجني عليه واسقاط حقه، وما اذا كان الجاني قد عوض المجني عليه أو ورثته.
2- أو غير مذكورة في القانون: كارتكاب الجريمة لباعث شريف، أو سلوك الجاني الايجابي بعد الجريمه.
– ثالثا: الأعذار القانونية وتنقسم الى:
1- اعذار معفيه للعقاب بنص القانون: وهي التي تشمل كل الجرائم أو أغلبها، كالمجنون المطبق، أو صغير السن عديم التمييز.
2- أو اعذار مخففة للعقاب وتنقسم الى:
أ – اعذار عامه: كصغير السن ناقص التمييز، أو المعتوه عقليا ناقص الوعي.
ب – واعذار خاصه: كعذر اسقاط القصاص عن الأب في حال قتله لولده، أو الاستفزاز المتعلق بمفاجأة الزوجة بالزنا.
– وفي كل الاحوال، الاعذار المعفية أو المخففة للعقاب، وكذلك الظروف المشددة أو المخففة والمذكورة جميعًا بنص القانون صراحة، يلزم القاضي الأخذ والحكم بها.. بعكس الظروف أو الاعذار التقديرية والمستخلصة من وقائع القضية وملابساتها، فيجوز للقاضي وفق سلطته التقديرية تطبيقها من عدمه.
#المحور الثاني: موقف المشرع اليمني:
سنتناول نموذج جريمة قتل الأب لابنه، وارتباطها بالظروف المشددة لجريمة القتل العمد من خلال فرعين، نستعرض في الاول النصوص القانونية، ونخصص الثاني لتأصيل وتحليل تلك النصوص:
– اولا: النصوص القانونية:
1- قتل الأصل لفرعه: مادة (٢٣٣): \”إذا اعتدى الأصل على فرعه بالقتل أو الجرح، فلا قصاص، وإنما يحكم بالدية أو الأرش، ويجوز تعزير الجاني في هذه الحالة، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بالغرامة في القتل، وبالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بالغرامة في الجرح، ما لم يحصل عفو\”.
2- القتل العمد: مادة( ٢٣٤):
\”ويجوز أن يصل التعزير إلى الحكم بالإعدام، إذا كان الجاني معروفاً بالشر، أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية، أو على شخصين فأكثر، أو من شخص سبق أن أرتكب قتلاً عمداً، أو توطئه لارتكاب جريمة أخرى، أو لإخفائها، أو على امرأة حامل، أو على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته، حتى لو سقط القصاص بالعفو\”.
– ثانيا: تأصيل وتحليل النصين:
في حقيقة الأمر، لم يتطرق المشرع اليمني، للحكم القانوني، في حالة اجتماع الظرف المشدد للعقوبة، مع الظرف أو الاعذار المخففه للعقوبه، سواءً في القسم العام، أو القسم الخاص من قانون العقوبات، وعلى سبيل المثال، كما ذكرنا حالة قيام الأب بقتل ولدين أو اكثر بالعمد.
– وبالعودة الى تأصيل وتحليل النصين السابقين، نجد أن المشرع، اعتبر من حيث الأصل، عدم جواز قصاص الوالد بالابن، طبقا لنص المادة (٢٣٣)، والتي خففت العقوبه الى التعزير بالحبس، \”وفي تقديرنا\” أن هذا عذر مخفف للعقاب خاص بالاب، يستند للأصل الشرعي في الحديث المشهور: (لا يقاد والد بالولد)، لكن في نفس الوقت، يرى البعض اذّ ما توافرت ظرف مشددة في قتل الأب لابنه، كأن يقتله بوسيلة وحشيه، أو يقتل اكثر من ولد، أو يقتل ابنته الحامل… وبصفة عامه، اذا ما توافرت الظروف المشددة المذكورة بالفقرات الاخيره، بصريح المادة (٢٣٤)، فإنه يستحق عقوبة الاعدام تعزيرًا
#المحور الثالث: إشكالية الجمع بين العذر المخفف والظروف المشدد:
عند الجمع بين نص المادة ٢٣٣ والمادة ٢٣٤ يثور التساؤل، عن ماهو النص الأولى بالتطبيق، في حال اجتماع العذر المخفف مع الظرف المشدد للجريمة؟ فهل الأولى، أن يطبق العذر المخفف، ويقدم على تطبيق الظرف المشدد، أم ان التطبيق يكون عكسي، بحيث يغلب المشدد على العذر المخفف؟؟
– وفي تصوري المتواضع : أن الفاظ وعبارات نص المادتين (٢٣٣ و ٢٣٤عقوبات)، وبحسب تأصيل وتحليل ما جاءت بهما المادتين من الفاظ وعبارات، وفي حالة تحقق مثال قتل الأب تحت أي ظرف مشدد مذكور بنص (م٢٣٤)، فإن اسقاط القصاص عن الأب، مقدم على اعدامه تعزيرًا، وذلك للمبررات والحجج الشرعية والقانونية الاتيه:
١- إن اسقاط القصاص عن الأب، كان مستندًا لعذر شرعي، وبنص قانوني خاص ومستقل، ذكره المشرع اليمني، اما اعدامه تعزيرًا، فقد جاء بنص عام في تشريع وضعي قانوني، يسري على جميع جرائم القتل.. والأولى تقديم النص المستند على أساس شرعي، على النص المستند على أساس تشريعي وضعي.
٢ – إن اسقاط القصاص عن الأب، جاء بنص قانوني خاص، لتلك الجريمة الخاصه، بينما التعزير اعداما بحسب نص بالمادة (٢٣٤)، جاء بصفة عامه؛ وباعتباره يسري على جميع جرائم القتل العمد.. والنص الخاص لسقوط القصاص عن الاب، مقدم على تطبيق النص العام، الذي يقضي بجواز الاعدام تعزيرا لجميع جرائم القتل العمل، بل ومقيدًا له في نفس الوقت.
٣- اللفظ الوارد في نص اسقاط القصاص عن الأب، جاء صريحًا، قاطعًا، وجوبيًا، بقوله: (فلا قصاص)، وهذا اللفظ يفيد الوجوب لا الجواز، بعكس النص الوارده في الاعدام تعزيرًا (م٢٣٤)، الذي جاء على سبيل الجواز صراحة لا الوجوب، بقوله (ويجوز)، والوجوب مقدم على الجواز، في حكم أصول الفقهين الشرعي والقانوني.
٤- إن ما نصت عليه المادة (٢٣٣)، يعتبر عذرًا قانونيًا مخففًا، بينما ما نصت عليه المادة (٢٣٤)، يعتبر ظرفًا قضائيًا مشددًا، وهنا يأتي التفوق والالزام في التطبيق للعذر القانوني؛ لأنه متعلق بمبدأ المشروعيه في التجريم والعقاب، ومذكور بقوة القانون، بعكس الظروف القضائية الذي يخير فيها القاضي بين تطبيقها أو عدم تطبيقها.
#الاقتراحات والتوصيات:
– اولا: ولحل هذة الاشكالية، نقترح على المشرع اليمني، أن يجمع العذر المخفف المذكور، مع الظروف المشددة في نص واحد، وذلك بالنص صراحة بالمادة (٢٣٣) بعد الفقره الاخيرةً، على وجوب (لا على سبيل الجواز) الاعدام تعزيرًا على الأب، في حال قتله لابنه بوسيلة وحشيه، أو قتل أكثر من ولد،، أو قتل ابنته الحامل.. وبصفة عامه تذكر جميع الظروف المشددة، التي تستوجب تطبيق الاعدام تعزيرًا على الاب؛ في حال توافر احداها، أو يمكن أن يصرّح المشرع بذلك بفقرة مختصره كالاتي: \”ويجب الحكم بالاعدام تعزيرًا على الأب؛ في حال توافر احدى الظروف المشددة المذكورة في الفقرات الاخيرة من المادة ٢٣٤\”. وبذلك نكون قد سدينا الثغرة القانونية، وادمجنا التعديل المطلوب في النص الخاص، لجريمة قتل الأب لابنه؛ لتكون القاعدة الشرعيه لسقوط القصاص عن الأب لقتله أبنه، والاستثناء بوجوب اعدامه في حال توافر احدى الظروف المشددة، جميعهم في نص وقالب قانوني واحد، لإزالة أي غموض أو شك في كيفية الجمع بين النصين السابقين، وفي نفس الوقت، تحقيقا للعدالة المتسقه مع العقل والمنطق.
– ثانيا: وفيما يتعلق برأينا العام، حول اجتماع الظروف المشددة، مع الاعذار أو الظروف المخففة في جريمة واحده (أيًا كانت)، نوصي المشرع اليمني، على النص صراحة في القسم العام من قانون العقوبات، بعد المادة (١٠٩) بالتحديد، والتي تتحدث عن تفريد العقاب، وذلك لوضع مبدأ أو قاعدة موحدة، تكون حلّاً لسد الثغرة القانونية، المتعلقه بكيفية تطبيق العقاب؛ في حال اجتماع الظروف المشدد، مع الاعذار أو الظروف المخففه، على أن يغلب القاضي المعايير الاتيه بحسب الترتيب:
1- يطبق الاعذار المعفيه أو المخففه للعقاب، والمذكورة بنص صريح في القانون.
2- ثم تغلب الظروف القضائية (سواء كانت مشددة أو مخففه)، بشرط أن تكون مذكورة بنص القانون، على الظروف القضائية التقديرية (مشدده أم مخففه)، والمستخلصة من قبل القاضي، من خلال ظروف وملابسات الجريمة.
3- اذا تعادلت الظروف القضائية (المذكورة بنص القانون) مشدده كانت أم مخففه أو (التقديريه) مشددة أم مخففه، يتم اسقاطها جميعا، ويعاقب الجاني على جريمتة المُجرّدة، دون الأخذ بالظروف المشدده أو المخففه.
– وتنطوي وجهة نظرنا لهذا الترتيب، على أن العذر الذي ينص عليه القانون صراحة بالاعفاء أو التخفيف، فالمحكمة تكون ملزمة بمنح هذا العذر صفة الالزام، أما اذا ترك القانون للقاضي الحرية بالأخذ بها، فليس من المتوجب على القاضي، أن يأخذ بهذا العذر.. وبمعنى أدق، الاعذار طالما ذكرها القانون نصًا، تكون مقدمة على الظروف القضائية، سواء كانت مشددة أو مخففه. ويسري ذلك الحكم، على رجحان تطبيق الظروف المشددة أو المخففة بنص القانون، على الظروف المشددة أو المخففه التقديرية، والمستخلصة من وقائع القضية وملابساتها.
هذا تصوري واجتهادي، والله اعلم بالصواب.
المستشار/ د. صالح عبدالله المرفدي، قاض محكمة نقض
#المدونة_القانونية
