القضاء كما لا يجب أن يكون 4/4

كتبت القاضي .د  رواء عبدالله مجاهد :

بسم الله الرحمن الرحيم

4 – ماذا ستقولوا لرب العالمين ؟ !

بعد أن تم الإنقلاب على مؤسسات الدولة أُُصيب القضاء اليمني بعاهة التجيير السياسي الصريح ، و الصريح جدًا  من الأطراف المسيطرة في الشمال والجنوب ،  و وهنت المؤسسة القضائية شأنها شأن كل مؤسسات الدولة.

ففي الشمال قُدِّم القضاء اليمني كقربان ليخدم أنصار الله الحوثيين وعينت قيادات قضائية تنتمي لبيوت معينة لتخدم وتحقق ايديولوجيتهم و إن كان يوجد نفر أو اثنين لا ينتمي لسلالتهم فوجودهم ديكوري ولا صوت لهم .

وفي الجنوب سلّم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي القضاء على طبق من ذهب للمجلس الانتقالي الجنوبي و استولوا على الجمل وما حمل وأن وجد نفر أو اثنين لا ينتمي لهم فهم مهمشين مقصيين يجلسوهم في آخر الصف . 

وما يحصل جنوبًا باسم الشرعية الدستورية يحصل شمالًا باسم آل رسول الله ومحاربة العدوان .

جاءت هذه القيادات وانتظر القضاة الغيث الذي لم يأتِ فهم فقط قيادات تسبح بحمد الساسة وتقدم القرابين للمسيطرين سياسيًا وتتنعم بخير موازنة السلطة القضائية و ببدخ مريب .

تباهت  القيادات القضائية بعلاجهم في الخارج،  و سيارتهم الفارهة،   وإدمانهم على محلات العسل والمكسرات  ، تاركين قضاة الميدان لا يستلمون قيمة خُمُس علبة دواء ولا يملكون جاري جمل يقلهم  إلى مرافق عملهم ، فلا غرابة في ذلك حيث كان الأولون هكذا ، وجاء الجدد على نفس المنوال ، بل يفوقوهم تبديدًا ،  فهذا ما وجدوا عليه ابائهم . و أضحت كل العبارات الرنانة بمكافحة الفساد التي كانت تردد في خبر كان  .
تطاولوا في البنيان ،  ظلموا ،  عبثوا في الموازنة  بدون أدنى ترشيد ، وحولوا بتصرفاتهم والنهج الذي ينتهجوه في تبديد الموازنة الفضيلة الدستورية بالاستقلال القضائي المالي إلى رذيلة ،  ولم يعد إدراج الموازنة الخاصة بالسلطة القضائية رقمًا واحدًا إلا وسيلة للتبديد ، و ليتخلصوا من وجود أدني رقابة على كيفية الصرف و الإنفاق ،  ليؤكدوا مقولة أن السلطة  المطلقة مفسدة مطلقة .

وسدوا  الأمر إلى غير أهله ، و حرموا  المستحقين من حقوقهم في الترقيات ،  ومنحوها بكل أريحية للأولاد و الأقارب والأحباب ، بل وأسندوها بقرارات جمهورية .  تباهوا بالمكاتب الفاخرة ، والسفر لحضور المؤتمرات والندوات والتي لا يستفيد منها القضاة بشق فائدة .

كل ما سبق ومنتسبي السلطة القضائية يتساقطون تباعًا بدون أدنى رعاية ،  ويتعرضون للانتهاكات بدون وجود مؤسسة قضائية تحميهم ، فيكفي أن تحصل القيادات على كل الحقوق والامتيازات ، ويكفي أن الحاشية وماسحي الجوخ يستلمون  ما يتفضل به سادتهم من موازنة السلطة القضائية و بقية موارد القضاء ، كصندوق دعم القضاء والذي لا نعلم أين تذهب موارده أو دعم المنظمات والجهات المانحة.

تناست القيادات القضائية قول ابن الخطاب : لو أن بغلة في العراق عقُرت لوجدتني مسئولًا عنها !
فما بالكم بالأنفس التي تزهق دون أن يلتفتوا إليها ، و الأمال التي حُطمت على أيديهم .

و أمام كل ذلك وقف القضاة موقف المتفرج ، حتى من كان يعول عليهم وعلى وسطيتهم وحلمهم وقوة شخصيتهم هنا أو هناك نجدهم يتساقطون تباعًا بموت سريع مفاجئ ،  ولا ندري هل هو القدر أراد أن ينأى بهم عن مواجهة واقع مزري أم يد ( اللصوص )  طالتهم .
واللصوص يا سادة ليس من يسرقون مالك فقط ، بل هم من يسرقون حلمك وأملك ، ومستقبلك ،  يجردوك من مقدسات ماضيك ،  وعزيمة  حاضرك ،  ورغبتك المستقبلية  بالبناء ،  يسرقون إشراقة  نهار الحقيقة ،  ويحجبون سطوع شمس العدالة ،  و يأخذون  حقك الأصيل في الحقوق المشروعة،  وهذا حرفيًا ما يحدث في السلطة القضائية .

سيأتي اليوم الذي ستعرض أعمالنا على رب العالمين ، و سنسأل عن الأمانة التي حملتها أعناقنا ،  و  سيقف رئيسي مجلسي القضاء الأعلى حينها أمام رب العالمين ، مهطعين مقنعي روؤسهم ، لا يرتد إليهم طرفهم ، فماذا سيقولوا ؟
هل سيقولون أننا أصلحنا وبنينا ، وأعطينا كل ذي حق حقه ،  و وسدنا كل الأمر إلى اهله أم سيقولون عكس ذلك متحججين بسكوت القضاة و خضوعهم مما يعني رضاهم ،  أم سيقولون أن ما قاموا به أمر عادي ولا يعتبر خطيئة  ولا يمكن أن يكون أمر جلل .

كيف سيهربون من المسئولية حينها و ماذا سيقولوا عن كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته !

هل سيلتمسون لأنفسهم عذرًا أو ربما أعذارًا ،  وهل سيقنعون رب العالمين المطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهناك لا محل لتحمل وزر العمل من آخرين ولا مجال للمراوغة أو التملص ، ونخشى حينها  ان يكونوا من الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا .

كل ما سطرته أعلاه سألت الله أن يصادف قلبًا مكشوفًا ، و لنتذكر .. اليوم دنيا و غدًا آخرة ، و العاقبة للمتقين ، فاتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله .. ماذا ستقولوا لرب العالمين ؟


ملاحظة غير هامة ..

ذكرت أعلاه انموذج رئيسي مجلس القضاء الأعلى لسببين
الأول : أن رئيسي مجلس القضاء يعدوا ممثلين لبقية القيادات ، و ما سيسري عليهم سيسري على البقية.

الثاني : أن هناك من القيادات من القيادات القضائية من  سيدخلهم رب العالمين إلى جهنم مباشرة دون الحاجة لحسابهم و تضييع الوقت بسؤالهم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى