المبادرات المجتمعية.. أمل أبناء الجبزية في تعز لتجاوز العزلة وعناء الجغرافيا

رواها 360

في قرية الحجر بعزلة الجبزية بمديرية المعافر جنوب محافظة تعز، لم تعد التنمية مجرد وعود مؤجلة أو مشاريع رسمية غائبة، بل تحولت إلى فعل يومي يصنعه الأهالي بأيديهم. ففي الأيام الماضية، انطلقت أعمال توسعة الطريق الرئيسي المؤدي إلى القرية ضمن مبادرة مجتمعية واسعة، جمعت المقيمين والمغتربين والتجار وملاك الأراضي في مشهد نادر من التعاون والتكاتف.
هذه المبادرة لم تقتصر على توسعة مسار جديد فحسب، بل حملت في جوهرها رسالة عميقة بأن المصلحة العامة تسمو على الفردية، وأن القرية المتماسكة قادرة على كسر العزلة التي فرضتها الجغرافيا، ورسم طريقها نحو حياة أفضل رغم صعوبات الحرب وضغوط الاقتصاد والأزمات.
بدأت أعمال توسعة الطريق الداخلي لقرية الحجر في عزلة الجبزية تحت إشراف اللجنة التنفيذية للمبادرة وبحضور شخصيات اجتماعية وأمنية، حيث حضر كل من فهد القاهري، عامر عبدالقوي، وعبدالباقي عقلان، لمتابعة سير العمل ودعم جهود الأهالي.

ولم يقتصر المشروع على بعده الخدمي، بل تجاوزه ليصبح رسالة عميقة في تجسيد الانتماء، وإبراز صورة لقرية متماسكة تؤمن بأن التنمية تبدأ من المجتمع نفسه، وأن المصلحة العامة تسمو على أي اعتبارات فردية.

تضحيات ومساهمات

من أبرز ما ميز المبادرة، تبرع عدد من ملاك الأراضي والمنازل بجزء من ممتلكاتهم على جانبي الطريق، استشعارا منهم بأهمية تسهيل حركة المركبات وتحسين الوصول إلى القرية. هذه الخطوة عدت بادرة نادرة في مجتمع يواجه ضغوطا اقتصادية بالتزامن مع تعقيدات المشهد السياسي والعسكري للعام العاشرو لكنها عكست وعيا جمعيا متقدما جعل الأهالي قدوة لغيرهم.

كما قدم مغتربون وتجار وأهل خير مساهمات مالية ومعنوية سخية، ساعدت في دفع عجلة المشروع.

الشباب في قلب المشهد

في موقع العمل، برزت سواعد الشباب الذين عملوا في ظروف صعبة تحت حرارة الشمس، حاملين الحجارة ومرتبين المسار الجديد للطريق. هؤلاء الشباب تحركوا بدوافع ذاتية، مدفوعين بإيمان عميق بقدرتهم على إحداث تغيير ملموس في قريتهم.

وقال مدير مشروع الجبزية، عبدالله عبدالحميد، في تعليق على المبادرة بصفحة فيسبوك:”هناك جنود مجهولون لا يعرفون للنوم طريقًا، يحملون هموم الناس على أكتافهم ويجسدون هذا الهم إلى واقع حقيقي أبهر العيون وأثلج الصدور. اليوم شهدنا لوحة من العطاء في مشروع توسعة طريق قرية الحجر. المعجزة الأجمل أن ملاك الأراضي على جانبي الطريق فتحوا قلوبهم قبل حدود أراضيهم وتخلوا عن جزء منها طوعًا، إيمانًا بأن المصلحة العامة أسمى من أي مصلحة شخصية.”

وأضاف عبدالحميد:”نشكر جميع الخيرين الذين مدوا يد العون وجادوا بالمال، كما نثمن سواعد الشباب الذين يعملون تحت حرارة الشمس في نقل الحجارة والبناء، فهم نخبة شباب القرية يعملون بدوافع ذاتية لرفعة قريتهم. كما نجدد شكرنا لأعضاء اللجنة التنفيذية الذين أثبتوا مرونة وحكمة في إدارة المشروع.”

إشادة واسعة

لم تتوقف أصداء المبادرة داخل القرية، بل تجاوزتها إلى فضاء التواصل الاجتماعي، حيث لاقت صور ومقاطع الفيديو الخاصة بالمشروع إشادة واسعة من المتابعين، الذين أثنوا على روح التعاون المجتمعي التي أظهرها أبناء الجبزية.

وكتب الأستاذ عبدالحكيم العامري على صفحته في فيسبوك:”الجبزية مديرية المعافر مجتمع يعمل كخلية نحل في شتى المشاريع التي تخدم البلاد والعباد. مشروع توسعة الطريق يظهر كخطين متوازيين بعد قلع أشجار السلعف لتوسيع الطريق. ما شهدناه ليس مجرد توسعة طريق، بل تجسيد حي لروح التضامن والتعاون والعطاء ومثال يحتذى به في العمل الجماعي.”

و من جانبه علق الأستاذ عبدالوهاب سعيد على المبادرة:”بكل فخر واعتزاز، نتقدم بخالص الشكر والعرفان لكل أصحاب الأراضي والمنازل على امتداد الطريق، الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والتعاون، ففتحوا قلوبهم قبل أراضيهم من أجل توسعة الطريق، لتبقى خدمتهم شاهدة على معدنهم الأصيل وروحهم الكريمة”.


وأضاف :”كما نرفع القبعة تقديرًا لكل من ساهم وشارك في هذا العمل العظيم، بجهده أو ماله أو وقته، فأنتم بحق شركاء النجاح وأبطال الميدان.
تحية خاصة لمهندسينا الأكفاء، الذين كانوا العقل المدبر واليد الماهرة، عملوا بصمت لكن إنجازهم يتحدث بصوت عالٍ.”
وتابع :”ولا ننسى اللجنة المنظمة واللجنة الأمنية، الذين كانوا العيون الساهرة والأيادي الحريصة على سير العمل بانضباط وأمان، هذا الطريق ليس مجرد شق وأحجار، بل هو قصة تعاون وإخاء ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال. فلكم منا كل المحبة والدعاء، وجعل الله عملكم هذا في ميزان حسناتكم.”

إنجاز يتجاوز الطريق

من جانبها، عبرت اللجنة التنفيذية عن امتنانها لكل من أسهم في إنجاح المشروع بمرحلته الأولى، وأكد نذير سيف أن ما تحقق هو إنجاز يعكس الوعي الجماعي بأهمية التعاون لخدمة القرية. وقال إن هذا المشروع يمثل نموذجا يحتذى به في العمل الطوعي والتنمية المحلية، ورسالة بأن المجتمعات الريفية قادرة على رسم طريقها بنفسها متى ما توفرت الإرادة الجماعية.

وأشارت اللجنة إلى أن توسعة الطريق لم تكن مجرد مشروع خدمي، بل جسدت “مدرسة في العطاء”، حيث التقت المصلحة العامة مع التضحية الفردية، والتعاون مع الانتماء، لتسطر قصة نجاح يمكن أن تُلهم مناطق أخرى في المحافظة وخارجها.

تحديات وتطلعات

ورغم الإنجازات التي تحققت خلال الأيام الماضية، فإن المشروع ما يزال يواجه تحديات أبرزها الحاجة إلى استكمال أعمال الرصف والتسوية، إضافة إلى توفير الدعم الفني والآليات الثقيلة لضمان استدامة الطريق وحمايته من عوامل التعرية والأمطار.
ويأمل الأهالي أن تلتفت السلطات المحلية والجهات الداعمة إلى هذه الجهود الشعبية، عبر تقديم العون والمساندة لاستكمال المشروع وتحويل الطريق إلى شريان تنموي يربط القرية بمحيطها، ويخدم مئات الأسر التي تعتمد عليه يوميًا.
هكذا، تتحول توسعة طريق إلى رمز للوعي والتنمية المحلية، وإلى مشهد يلخص كيف يمكن للمجتمع أن يكون فاعلا وشريكا في صنع التنمية، لا مجرد متلق لها. وفي زمن الحروب والأزمات، تبقى هذه النماذج بارقة أمل تعيد الثقة بأن الغد يمكن أن يكون أفضل إذا ما تكاتف الناس حول مشاريعهم المشتركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى