المعاناة المزدوجة بين جحيم غزة وعطش اليمن

الصحفي شعيب الحداد:
في لحظة تعجز فيها الكلمات عن حمل ثقلها يقف الإنسان العربي حائرًا بين مشهدين لا يقل أحدهما قسوة عن الآخر ففي غزة تُباد الطفولة أمام مرأى العالم وجوه هزيلة أجساد بالكاد تتحرك وعيون يكسوها الذبول وأرواح تودع الحياة بصمت الجوع والعطش والحصار لا دواء ولا ماء ولا مأوى ولا حتى صوت عدالة يُسمع تُقتل غزة كل يوم ليس بالصواريخ فقط بل بصمت العالم العربي والإسلامي الذي لم يحرك ساكنًا وكأن الدم الفلسطيني أقل وزنًا من سواه وكأن صرخات الأطفال هناك تُرسل في الفراغ فلا تجد من يسمعها أو يحتضنها .
وفي الطرف الآخر لا يبدو المشهد أقل مأساوية ففي اليمن وتحديدًا في تعز أزمة مياه خانقة تكاد تجهز على ما تبقى من أمل في الحياة المدينة المحاصرة منذ سنوات تعاني من ندرة قاتلة في المياه حتى أصبحت قطرة الماء أغلى من غذاء الأطفال وقد بلغ ثمن وايت الماء مئة ألف ريال وهو مبلغ يعجز عنه الكثير من المواطنين الذين لا يجدون قوت يومهم ولم تهطل الأمطار منذ زمن وكأن السماء هي الأخرى تدير وجهها عن هذه الأرض المنكوبة وتحولت الحياة اليومية إلى معركة بقاء والمواطن اليمني يطارد خيطًا من الأمل.
ومع إنقطاع الخدمات وغياب الإستجابة من السلطات المحلية التي لم تهتم لمطالب الناس ولا لمعاناتهم المتفاقمة يواجه المواطن اليمني حصارًا من كل جانب حرب طويلة الأمد إقتصاد منهار خدمات شبه معدومة وجوع يطرق الأبواب بلا استئذان لا ماء ولا كهرباء ولا دخل يكفي لأدنى متطلبات الحياة ولا حتى نافذة تفتح على فرج قريب
المواطن منهك مستنزف يتآكل بصمت وسط تجاهل حكومي داخلي وصمت دولي يولد اليأس.
ليس مستغربًا أن تتشابة ملامح الوجع بين غزة وتعز فكلاهما تقف في خط النار دون دروع تحميها أو أيدٍ تمتد لتنتشلها من الغرق لكن ما يُدهش حقًا هو أن يكون هذا الألم مزدوجًا ألم خارجي يصم العالم أذنه عنه وألم داخلي تتنصل فيه السلطة من واجباتها تجاه شعبها لا أحد يسأل ولا أحد يجيب فقط المواطن وحده يحمل معاناتة على ظهره ويواصل المسير في درب لا تلوح فيه إلا ملامح المأساة.
أمام هذه الصورة لم يعد السكوت خيارًا ولم يعد الانتظار مبررًا فإما أن نرفع صوت المعاناة ونصرخ بها في وجه العالم أو نتحمل تبعات هذا الصمت الذي قد يكتب نهاية ما تبقى من كرامتنا الإنسانية في زمن تغيب فيه العدالة يصبح الحديث عن الألم ضرورة والكتابة عنه مقاومة والتعبير عنه حياة.