الموازنة العامة للدولة: إطار استراتيجي لاستعادة الدولة وإصلاح ماليتها العامة

رواها 360 د/علي ناصر الزامكي
تُعد الموازنة العامة للدولة الأداة الأبرز التي تجسد السياسات المالية وتترجم الأولويات الاقتصادية والاجتماعية إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ ، فهي ليست مجرد وثيقة مالية، وإنما إطار استراتيجي يحدد مسار الدولة في إدارة مواردها وتحقيق أهدافها التنموية ، وفي وضعنا الحالي يكتسب إعداد الموازنة العامة أهمية استثنائية خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة الراهنة وتتمثل في الاتي :-
أولاً: قصور خطط الإنفاق المؤقتة .
لقد أدت الظروف الاستثنائية إلى اعتماد خطط إنفاق مؤقتة، غير أن هذه الآلية تظل محدودة الأثر؛ فهي تفتقر إلى:
1- رؤية استراتيجية شاملة.
2- القدرة على التوازن بين الإيرادات والنفقات.
3- توفير إطار رقابي ومحاسبي متكامل.
4- دعم مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبالتالي فإن استمرار العمل بها يضعف قدرة الدولة على فرض سيادتها الاقتصادية والمالية ويشكل احد المحددات الرئيسية في استعادة مؤسساتها.
ثانياً: الموازنة كأداة لاستعادة الدولة وبسط سيادتها .
تمثل الموازنة العامة أداة مركزية لبسط هيبة الدولة، من خلال:
1- ضبط أولويات الإنفاق وفق معايير وطنية.
2- تعزيز الشفافية والمساءلة المالية.
3- تمكين مؤسسات الرقابة والمحاسبة من أداء دورها.
4- الحد من الهدر المالي وتعزيز كفاءة استخدام الموارد.
ثالثاً: البعد الإصلاحي للموازنة العامة .
الموازنة ليست مجرد إجراء إداري، بل هي أداة إصلاحية:
1- لتحقيق الانضباط المالي عبر ترشيد النفقات.
2- تعزيز الإيرادات من خلال إصلاح النظام الضريبي والجمركي.
3- تحسين كفاءة تخصيص الموارد بما يتفق مع متطلبات التنمية.
رابعاً: العلاقة بين السياسة المالية والسياسة النقدية
تشكل الموازنة العامة أساساً لاستقرار السياسة النقدية ، إذ أن نجاح السياسة المالية في تحقيق الانضباط يعزز قدرة السياسة النقدية على استقرار العملة والحد من التضخم، والعكس صحيح.
خامساً: البعد السياسي والاقتصادي لإعداد الموازنة .
إقرار الموازنة يمثل رسالة سياسية واضحة للداخل والخارج:
1- للداخل: أن الحكومة ملتزمة بالشفافية والحوكمة واستعادة مؤسسات الدولة.
2- للخارج: أن الدولة قادرة على إدارة شؤونها المالية بما يعزز فرص الحصول على الدعم الدولي.
ختاماً: إن إعداد الموازنة العامة للدولة يُمثل ضرورة استراتيجية لا غنى عنها لاستعادة الدولة وبسط سيادتها المالية والإدارية. فهي الأداة الأهم لإصلاح السياسة المالية، والدعامة الرئيسية لنجاح السياسة النقدية، كما أنها تعكس جدية الدولة في مواجهة التحديات وإعادة بناء مؤسساتها على أسس سليمة ، إن أي تأخير في إعدادها لن يكون سوى إعاقة جهود التدابير والإجراءات المتخذة من الحكومة والبنك المركزي ولجنة الموارد المالية نحوالإصلاح الاقتصادي والمالي المنشود اليوم .