برشلونة… ليلة المجد الأزرق والأحمر

فتحي أبو النصر :

في ليلة كأنها خُطت على قصائد المعتمد بن عباد، وقف برشلونة شامخا، رافعا كأس ملك إسبانيا فوق هام النجوم، بعد ملحمة كروية نسجت ملاحمها في قلب الكلاسيكو.

والحقيقة كانت مواجهة من نوع آخر، مواجهة عبرت حدود المنطق، وأيقظت فينا كل ما اعتدنا عليه من زمن ميسي ورونالدو، بل وربما تجاوزته إلى مشهد أكثر شاعرية، أكثر إنسانية.

برشلونة بدأ كما يجب، بسيطرة أنيقة وأسلوب لا يُخطئه العارفون، ترجمها بيدري، نجم الشوط الأول، إلى هدف بدا كأنه مفتتح سيمفونية المجد. لكن كرة القدم لا تعترف بالسيناريوهات الجاهزة؛ ففي الشوط الثاني، ظهر ريال مدريد بشكل مغاير، تحرك بروح لا تقهر، وسجل هدفين بأقدام فرنسية رائعة عبر مبابي وتشواميني، وكاد أن يقتل المباراة لولا أن توريس، هداف البطولة، أعاد البلوغرانا إلى الحياة قبل أن تفلت اللحظة من بين الأصابع.

الأشواط الإضافية كانت كتابا مفتوحا لكل الاحتمالات، حتى جاء كوندي من بعيد وأطلق قذيفة لم تستطع يد كورتوا أن تردها، ليكتب بها عنوان البطولة الأولى في عهد فليك، عنوانا من ذهب، ومقدمة لملحمة جديدة تنتظر أن تُروى.

ليست مجرد كأس، بل بداية طريق، طريق يمسح عن الذاكرة سنوات الوجع، طريق يقول لجمهور برشلونة: أنتم لا تراهنون على ناد فقط، بل تراهنون على فلسفة، على هوية لا تموت، على قميص صنع من الشغف قبل أن يُطرز بالألوان.

طبعا مباراة قلبت التوقعات رأسا على عقب، وكشفت أن التخطيط والعمل والهدوء، لا الحماس المؤقت أو الحظ العابر، هي مفاتيح المجد الحقيقي. فليك أثبت أن برشلونة لا يحتاج إلى المعجزات، بل إلى الإيمان بالعمل اليومي، إلى ذكاء يعيد تنظيم الروح قبل الأقدام.

ريال مدريد خرج بشرف كبير، بل وكان قريبا من الحسم، لكن برشلونة أرادها ليلة لا تُنسى، وكتبها بحروف من عرق ومثابرة وحلم لم يمت أبدا.

لذلك هنيئا لجمهور برشلونة بهذا المجد الجديد. هنيئا لكم أنتم الذين لم تتخلوا عن الألوان ولا عن الروح، أنتم الذين كنتم تراهنون على أن للبلوغرانا قلبا لا يشيخ، حتى عندما عاندته السنوات.

هذه ليست النهاية بالتأكيد بل بداية رحلة أخرى نحو المجد الأوروبي. بداية تاريخ جديد سيحكيه الجيل القادم، وسيتذكر فيه كيف بدأت كل الحكاية من تلك الليلة التي اختلط فيها السحر بالدموع والضحكات.

برشلونة يا حبيبي منذ 25عاما، لك المجد ولك الحب ولك الحلم الأزرق والأحمر الذي لا ينتهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى