برلمان صنعاء يعبث بالدستور ويقوض استقلالية القضاء

رواها 360:
تجاهلًا لنصوص الدستور اليمني النافذ، عبثت جماعة الحوثي بمنظومة العدالة، وقوّضت مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، بعدما مررت عبر برلمانها المنقوص في صنعاء مشروع قانون يمنح رئيس مجلسها السياسي الأعلى صلاحيات تعيين أعضاء في السلطة القضائية من خارجها، في انتهاك صارخ وغير مسبوق لاستقلالية القضاء.
يوم الأربعاء الماضي، أقر برلمان صنعاء “تعديلات قانون الأحوال الشخصية رقم (1) لسنة 1991 بشأن السلطة القضائية”، والذي تقدمت به حكومة الحوثيين غير المعترف بها، ما أثار انتقادات حقوقية وقانونية واسعة، وتحذيرات من خطورة هذه الخطوة التي وصفها نادي قضاة اليمن بـ”المذبحة القضائية” التي تعبث بحقوق المواطنين وحرياتهم وكرامتهم.
انقلاب على العدالة
أعلن نادي قضاة اليمن رفضه القاطع للتعديلات القانونية، واعتبرها محاولة لإعادة البلاد إلى عصور الإمامة المظلمة. وأكد أن تمرير مشروع القانون يمثل انقلابًا كاملًا على العدالة، طالَ كافة المهن القانونية والقضائية، وعصف بقيم التماسك والتشارك.
واستنكر النادي، في بيان صادر عنه، إقرار مشروع قانون كهذا خلال يوم واحد فقط من تقديمه إلى برلمان صنعاء، معتبرًا ذلك “إهدارًا للإجراءات الشكلية والموضوعية والضمانات الدستورية”.
وكان مشروع التعديلات قد قُدم إلى البرلمان يوم الاثنين من حكومة الحوثيين، رغم أن الحكومة – حتى وإن كانت شرعية – غير مخولة دستوريًا بالتدخل في شؤون السلطة القضائية، نظرًا إلى أن كُلًّا منهما سلطة مستقلة. ومع ذلك، أُقر مشروع القانون صباح الأربعاء، ما يعني أن مناقشته وإحالته إلى اللجان المتخصصة ثم إعادته للتصويت لم يستغرق سوى يوم واحد، وهو ما أثار استياء خبراء قانونيين اعتبروا أن ما جرى لا يعدو كونه إجراءات شكلية تهدف إلى إضفاء شرعية وهمية على قوانين مفروضة بالقوة.
وفي تعليق على ذلك، قال النائب في برلمان صنعاء عبده بشر إن “استدعاء مجلس النواب لانعقاد استثنائي لمناقشة وتشريع تعديلات قانونية خلال جلسة أو جلستين، أمر غريب وغير منطقي”، مؤكدًا أن استدعاء المجلس يتم عادةً “لأمر جلل وكبير، لا لتعديل قانون وتمريره بمخالفة دستورية”. وأوضح بشر، في منشور على صفحته في فيسبوك، أن عددًا من المواد في مشروع التعديلات تمثل “مخالفة صريحة لدستور الجمهورية اليمنية”.
معايير مطاطية
ينص الدستور اليمني على استقلالية القضاء كركن أساسي في نظام العدالة، إلا أن التعديلات تهدف إلى تعيين قضاة على أساس الانتماء الطائفي أو السياسي، ما يهدد هذه الاستقلالية ويجعل القضاء عرضة للتأثيرات.
وشملت التعديلات الجديدة إلغاء شرط الحصول على مؤهل جامعي أو شهادة من معهد القضاء لتعيين القضاة، واستبداله بمعايير مطاطة تشمل “علماء الشريعة الإسلامية الحاصلين على إجازات في الفقه، والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة”.
ومن أبرز التعديلات المثيرة للجدل، منح القضاة الجدد صلاحية توقيف المحامين ومنعهم من الترافع لفترات قد تصل إلى ثلاث سنوات، في مخالفة صريحة لقانون المحاماة، الذي يمنح المحامين حصانة تضمن استقلالية عملهم في الدفاع عن الحقوق دون تدخل.
وقد أثارت هذه التعديلات غضب نقابة المحامين اليمنيين، التي أعلنت رفضها القاطع لما وصفته بـ”الانتهاك الصارخ لاستقلال القضاء ومبدأ فصل السلطات”، معتبرة أن ما جرى هو “مشروع كارثي” يهدف إلى خصخصة القضاء والسيطرة عليه.
ودعت النقابة، في بيان صادر مساء الأربعاء، جميع المحامين وأعضاء السلطة القضائية إلى الوقوف صفًا واحدًا للتصدي لهذه التعديلات، كما ناشدت اتحاد المحامين العرب ومنظمات المجتمع المدني لدعم موقفها، مؤكدة أن المشروع “مليء بالعلل والأمراض”.