تصاعد الاعتداءات على القضاة والموظفين القضائيين: الأسباب والتداعيات والحلول

تُعدُّ السلطة القضائية حجر الأساس في تحقيق العدالة والحفاظ على سيادة القانون في أي مجتمع. ومع ذلك، فإن تزايد حالات الاعتداء على القضاة وأعضاء النيابة والموظفين الإداريين في المحاكم يشكل تهديدًا خطيرًا لاستقلالية القضاء وهيبة العدالة على الرغم من وجود قوانين تجرّم هذه الاعتداءات، فهذا الوضع يطرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، وتأثيراتها على سير العدالة، وكيفية معالجتها. في هذا الاستطلاع، نستعرض هذه الظاهرة من خلال لقاءات مع عدد من القضاة والموظفين القضائيين، لنلقي الضوء على الأسباب الرئيسة التي تقف وراء تصاعد الاعتداءات، بما في ذلك دور التحريض الإعلامي وضعف الوعي القانوني، ونبحث في آليات تعزيز الحماية القانونية والأمنية للقضاة، وضمان بيئة آمنة لممارسة مهامهم بكل استقلالية.
تصريحات وآراء:
فرض العقوبات الصارمة:
القاضي فصيع: القوانين كافية لردع المعتدين ولكنها تحتاج إلى تفعيل

أكد القاضي مهدي فصيع، محامي عام النيابات العسكرية، أن القوانين الحالية كافية لردع المعتدين، لكنها تحتاج إلى تفعيل، وقال: “المشكلة ليست في غياب القوانين، بل في تطبيقها بشكل عادل وحازم”.. ودعا إلى إرساء ثقافة احترام القضاء، وتطبيق العقوبات بحزم.
وأضاف القاضي فصيع: “يجب أن تكون هناك رسالة واضحة مفادها أن الاعتداء على القضاء لن يمر دون عقاب، وذلك لضمان هيبة القضاء واحترامه”.
تعزيز هيبة القضاء والمحاكم:
القاضي لرضي يحذر من تأثير الاعتداءات على نزاهة القضاء ويدعو إلى إجراءات حازمة

أوضح القاضي فؤاد لرضي، رئيس نيابة استئناف سيئون، أن الاعتداءات على القضاة تؤثر بشكل مباشر على استقلالية القضاء ونزاهته، مضيفًا بالقول: “تكرار الاعتداءات على القضاة لا يمس أمنهم الشخصي فحسب، بل يؤثر على نزاهة واستقلال السلطة القضائية ككل، مما يهدد تحقيق العدالة، وسيادة القانون”.
وأشار إلى أن غياب الوعي القانوني ورفض بعض الأطراف للأحكام القضائية يعدان من الأسباب الرئيسة لهذه الاعتداءات..
ودعا إلى توفير حماية أمنية شاملة للقضاة، وتعزيز التنسيق بين القضاء والأجهزة الأمنية.
وأضاف: “يجب أن تكون هناك إجراءات حازمة لضمان عدم تكرار هذه الاعتداءات، بما في ذلك إنزال عقوبات صارمة بحق المعتدين”.
دور التحريض الإعلامي:
القاضي عمار علوي: التحريض الإعلامي يشوه صورة القضاء ويهدد ثقة المجتمع

أشار القاضي عمار علوي، رئيس محكمة الميناء الابتدائية بعدن، إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورًا سلبيًا في تشويه صورة القضاء، مما يؤثر على ثقة المجتمع بالعدالة.
ولفت رئيس محكمة الميناء الابتدائية إلى أن وسائل الإعلام، لاسيما منصات التواصل الاجتماعي، تقوم بخلق بيئة سلبية تدفع بعضهم إلى التشكيك في نزاهة القضاء، مما يؤدي إلى زيادة الاعتداءات على القضاة.
وأكد على ضرورة فرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؛ لمنع التحريض ضد القضاة، مضيفًا بالقول: “يجب أن تكون هناك آليات لضبط الخطاب الإعلامي، بحيث يدعم استقلال القضاء بدلًا من أن يكون أداة للتحريض ضده”.
ضعف الوعي القانوني:
الدكتور بن شجاع: غياب الوعي القانوني يقف وراء تصاعد الاعتداءات على القضاة

أكد الدكتور خالد بن شجاع، القائم بأعمال مدير عام الدراسات والبحوث بوزارة العدل، أن غياب الوعي القانوني لدى المجتمع يُعدُّ أحد الأسباب الرئيسة لتصاعد الاعتداءات على القضاة. وقال: “الكثير من أفراد المجتمع لا يدركون أهمية السلطة القضائية ودورها في تحقيق العدالة، مما يجعلهم يتعاملون مع القضاة بشكل غير لائق”.. داعيًا إلى نشر الوعي القانوني، وتعزيز ثقافة احترام القضاء بين أفراد المجتمع. وأضاف: “يجب أن تكون هناك حملات توعوية تشرح للناس دور القضاء وأهمية احترام قراراته، حتى نتمكن من الحد من هذه الاعتداءات”.
الاعتداءات على منتسبي القضاء:
القاضي الشعبي: ضعف تنفيذ الأحكام القضائية يهدد ثقة المواطنين بالعدالة
أكد القاضي خالد سعيد الشعبي، وكيل نيابة الأموال العامة بمحافظة أبين، أن تعزيز هيبة القضاء والمحاكم يُعدُّ ركيزة أساسية لضمان احترام قراراتها وعدم التعرض لمنتسبيها.. مضيفًا: “تحقيق هيبة القضاء يتطلب التزامًا جادًا بتنفيذ أحكام القانون من خلال تطبيق جملة من المبادئ التي كفلتها القوانين الإجرائية، والتي تضمن حق الإنسان في محاكمة عادلة ومنصفة”. وحول ضعف تنفيذ الأحكام القضائية، أشار الشعبي إلى أن ذلك يشكل أحد العوامل الرئيسة التي تؤثر سلبًا على مكانة القضاء.. قائلًا: “ضعف تنفيذ الأحكام يؤدي إلى تراجع ثقة المواطنين بالعدالة، ويشجع على التمادي في انتهاك القوانين، مما ينعكس سلبًا على استقرار المجتمع وسيادة القانون”. وحول سبل الحد من الاعتداءات على منتسبي القضاء، أشار الشعبي إلى أن زيادة الحماية الأمنية داخل المحاكم والنيابات ستسهم بشكل كبير في التصدي لأي اعتداءات محتملة.. مؤكدًا أن توفير بيئة آمنة للقضاة وأعضاء النيابة سيمكنهم من أداء مهامهم من دون ضغوط أو تهديدات.
استقلال القضاء:
القاضي العبدلي يشدد على ضرورة تعزيز الضمانات القانونية لضمان استقلالية القضاء

أكد القاضي عمرو العبدلي، عضو النيابة العامة، أن الاعتداءات على القضاة لا تؤثر على استقلالية القضاء بشكل مباشر، لكنها تعكس تحديات تتعلق بتنفيذ الأوامر القضائية، وقال: “استقلال القضاء مبدأ دستوري، لكن التحدي الحقيقي يكمن في تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع”.
وأفاد أن هناك حاجة إلى تعزيز الضمانات القانونية؛ لضمان استقلالية القضاء وحمايته من أي تدخلات خارجية، مضيفًا: “يجب أن تكون هناك إجراءات واضحة لضمان تنفيذ الأوامر القضائية من دون أي عوائق”.
تفعيل دور الشرطة القضائية:
يسلم الدوعني: تفعيل الشرطة القضائية ضرورة ملحة لحماية القضاة والمحاكم

أوضح يسلم الدوعني، مدير إدارة العمليات بوزارة العدل، أن تفعيل دور الشرطة القضائية يُعدُّ أمرًا ضروريًا لحماية القضاة والمحاكم، قائلًا: “الشرطة القضائية هي الذراع الأمني للقضاء، ودورها الأساسي هو ضمان أمن القضاة ومنتسبي المحاكم”.
وأكد أن الشرطة القضائية تواجه تحديات تتعلق بنقص الكوادر والتجهيزات، مما يعيق أداءها. ودعا إلى توفير الدعم البشري والمادي للشرطة القضائية لتمكينها من أداء مهامها بشكل فعال، مشيرًا إلى أنه يجب أن تكون هناك إعادة هيكلة للشرطة القضائية؛ لضمان استقلاليتها وفعاليتها في حماية القضاء.
ختامًا تصاعد الاعتداءات على القضاة وموظفي السلطة القضائية يمثل تهديدًا خطيرًا لاستقلالية القضاء وسيادة القانون. وللتصدي لهذه الظاهرة، يجب تعزيز الحماية الأمنية للقضاة، وفرض عقوبات رادعة على المعتدين، ونشر الوعي القانوني بين أفراد المجتمع. كما أن تفعيل دور الشرطة القضائية، وتعزيز التنسيق بين الجهات المعنية، يعدان خطوات أساسية لضمان بيئة آمنة للقضاة، مما ينعكس إيجابًا على تحقيق العدالة، واستقرار المجتمع.