تمثال سبئي نادر يختفي من مزاد بونهامز: أين ذهب؟

كشف الباحث اليمني المختص في تتبع الآثار، عبدالله محسن، عن تفاصيل تمثال نذري كبير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. التمثال، الذي يمثل سيدة من مملكة سبأ القديمة، يتمتع بتفاصيل دقيقة وعناية فنية استثنائية، مما يعكس مهارة فنون النحت في تلك الحقبة.

حسب ما أشار محسن، فإن التمثال مصنوع من الرخام المصبوغ بالجبس، ويتميز بتصميمه المهيب والمفصل. تقف السيدة على قاعدة صغيرة مستطيلة متكاملة، مرتدية ثوبًا طويلا، مربوطًا عند الخصر، وينتهي عند ربلتيها فوق أساور الكاحل. التمثال مغطى بطبقة من الجبس الملون، مع تفاصيل محفورة بعناية، حيث يظهر الثوب مزينًا فوق الساقين وحول الذراعين العلويين بأشرطة خطية ومتقاطعة محفورة بعناية.

ووفقًا لما ذكره محسن، يعكس التمثال العناية الفائقة في التفاصيل، حيث تظهر السيدة مرتدية سلاسل من القلائد المكونة من تعليقات مثلثة وقلادة هلالية كبيرة تتدلى فوق صدرها. ذراعاها منحنيتان عند المرفقين، مع ساعديها متجهة للأمام، وتمسك بيديها وعاء نذري مستطيل مجوف، يحتوي على لوحات محفورة، مما يعكس طابع الديانة والطقوس النذرية في تلك الفترة.

الوجه والتفاصيل الدقيقة

وتابع محسن بالقول: “وجه السيدة في التمثال بيضاوي مع ذقن مدبب، حواجب مقوسة محفورة، وعينان كبيرتان مع بؤبؤين محفورين بدقة، مما يثير الاحتمال بأنها كانت مخصصة للتطعيم أو الطقوس الدينية. أنفها مستقيم وفمها صغير، فيما يتساقط شعرها أسفل أذنيها وصولًا إلى كتفيها، مزينًا بتفاصيل شريطية خطية، وتاج من التعليقات الدائرية يزين جبهتها.”

تاريخ التمثال: من مجموعة ديلويرز إلى مزاد بونهامز

حسب ما أورد محسن، كان التمثال ضمن مجموعة لوسيان وإيرين ديلويرز البلجيكية، التي كانت تضم مجموعة من الأعمال الفنية التي جمعها الزوجان خلال رحلاتهما. تم اقتناء التمثال في الخمسينيات من القرن الماضي، قبل أن يُهدى إلى المالك البلجيكي الحالي في أوائل الستينيات. وفي 2 أكتوبر 2014، تم عرض التمثال في مزاد بونهامز بلندن، ضمن مجموعة من الآثار القديمة التي كانت في حوزة ديلويرز، لكن من غير المعروف مكان التمثال الحالي بعد بيعها.

دور لوسيان ديلويرز في جمع الآثار

كما أشار محسن إلى أن لوسيان ديلويرز (1901-1982) كان جراحًا بلجيكيًا معروفًا في بروكسل، وأستاذًا في الجامعة، وعضوًا في الأكاديمية الملكية البلجيكية للطب. أثناء فترة توليه رئاسة الجراحة العامة في مستشفى سان بيير، نشر العديد من الأعمال المهمة في مجال الجراحة وابتكر “جائزة لوسيان ديلويرز الأكاديمية” التي تُمنح لأفضل أعمال البحث في مجال الجراحة. كانت ديلويرز وزوجته إيرين عاشا في بروكسل، وملأوا منزلهما بالأعمال الفنية التي جمعوها خلال رحلاتهم إلى مناطق متعددة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط.

أهمية التمثال في تاريخ اليمن

ذكر محسن أن هذا التمثال يُعتبر من أبرز آثار حضارة سبأ، ويشكل شاهدًا على العظمة الفنية والدينية لهذه الحضارة القديمة. تعكس التفاصيل الدقيقة للتمثال مدى اهتمام الحضارة السبئية بالفن والجمال، وكيف كانت تمثل الشخصيات الهامة والدينية من خلال النحت.

وقد سبق أن نشر محسن عن هذا التمثال الفريد في سنوات ماضية، مما يعكس أهمية هذا الاكتشاف في توثيق آثار اليمن والحفاظ عليها. كما يسلط الضوء على ضرورة الحفاظ على هذه الآثار الثمينة، خاصة في ظل المخاطر التي تهدد التراث الثقافي اليمني بسبب النزاعات الحالية.

مستقبل آثار اليمن: دعوات للحفاظ على التراث الوطني

وفي ظل ما تتعرض له آثار اليمن من تهريب وتدمير نتيجة النزاعات، دعا محسن إلى مزيد من الجهود لاستعادة هذه الآثار المفقودة والحد من سرقتها. يُعتبر هذا التمثال بمثابة تذكير بأهمية حماية التراث اليمني الثمين، والعمل على استعادة ما تم تهريبه من الآثار لتمثل جزءًا من هوية الشعب اليمني وحضارته العريقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى