حبر من بحر..

كتب د. عبدالحكيم باقيس:

هذا كتاب يخرج إلى النور وحيّز الوجود بعد انتظار طويل، كان مؤلفه الدكتور شهاب القاضي (رحمه الله) قد فرغ من إعداد مسوداته الأولى وتنظيم مادته، غير أن الأجل الذي اختطفه من بيننا ذات نهار صادم حزين لم يمنحه لذة رؤية الكتاب مطبوعًا، هوى شهاب غير أن وهجه لم يزل متصلا، فقد  اجتهد ابنه البار أحمد شهاب في استكمال المهمة، بداية من رعاية مخطوط الكتاب بالعناية والتدقيق، ونهاية بصدوره اليوم في هيئته الجميلة التي بين أيدينا، وحفظ لنا بذلك زادًا معرفيًا وكتابات نقدية وإبداعية خصبة ترصد جوانب عديدة من المشهد الثقافي والحياة الأدبية في عدن.

صحيح أن جل مادة هذا الكتاب هي مما نشره الدكتور شهاب القاضي في العديد من الصحف والمجلات الأدبية، بحسب ما هو مشار إليها في صفحات الكتاب، لكن خروجها في سفر واحد ومجموعة بين دفتي كتاب يزيد في قيمتها ويسهل على القراء الاطلاع عليها في سياق متصل ودلالة كلية.
تتنوع مادة الكتاب في تناولها العديد من الجوانب النقدية والثقافية، بين الدراسة والمقالة، وبين تناول النصوص الشعرية والنصوص السردية، ثم الكتابات الإبداعية، ولكل واحده منها خصوصيتها وأثرها، منها ما هو مكتوب عن كبار الكتاب والأعلام، ومنها المكتوب عن كتاب شباب مبدع يتلمس طريقه في فضاء الكتابة، وهذا التنوع والتعدد يُفهم في إطار الشواغل النقدية والثقافية عند شهاب القاضي، ولن أشي بما يتضمنه الكتاب من درر القلائد وزبدة الفوائد، حتى لا أفسد على القارئ متعة القراءة وجمال التلقي، وحسبي القول إن مؤلفه، رحمه الله، صاحب رؤية سامية ورسالة تنويرية، نلمح أثر ذلك في موضوعات الكتاب الذي سيشكل إضافة نوعية ملهمة، أشبه بحديقة نقدية حافلة بأجمل الأشجار والأزهار والثمار، ما يجعل القارئ وهو يعبر صفحات الكتاب في سياحة فكرية متصلة، تجمع بين لذة الكتابة وفوائد المعاني، إنها حبر من بحر متدفق العطاء غزير السخاء، تنفذ إلى الوعي قبل أن تتمدد على بياض الورق، أو كما قال الشاعر:
“غرفًا من البحر أو رشفًا من الدّيم”.
أما عن الدكتور شهاب القاضي الإنسان النبيل، فقد كان، كما يعرفه الجميع، قبس من ضياء ينشر السعادة والابتسامة بين الناس، اسم على مسمى، شهاب بحق تجلت عن وجهه الظلمة أو الكبرياء المتصنعة، فأضاء ما حوله عطاءً وسماحة ورعاية لشباب الكتاب، وسجل حضوره في كل ما أسهم في تحريك المشهد الثقافي في عدن وما حولها، وخصوصًا في أيام ما بعد الحرب على عدن في 2015، من أجل استعادة مكانة عدن الثقافية وريادتها الإبداعية، ومن منا يمكن أن ينكر دوره الفاعل في تأسيس نادي السرد؟!، أو دوره الكبير في تأسيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب؟! وقس على ذلك العديد من المبادرات الثقافية، وهو قامة سامقة نفتقد وجودها هذه الأيام بما تمثله من حالة ملهمة وإبداع نقدي أصيل.
وإني لأرجو من أسرته الكريمة المزيد من العناية بما كتبه في مجال الأدب والنقد، وفي مجال الدراسات والأبحاث العلمية، وجمع ما تشظى منها وإخراجه في كتاب آخر، حتى تستكمل ملامح هذه الشخصية في حقلي الأدب والعلوم التطبيقية، بوصفه شخصية ثقافية وأكاديمية.
رحم الله زميلنا وأخينا وحبيبنا الدكتور شهاب القاضي الذي هوى فارتقى، ونشر النور والضياء، وسيبقى اسمه من الأسماء المحفورة في ذاكرتنا الثقافية بأحرف من نور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى