حملة يقودها حمار: عندما يتصدّر الجهل منصّة الوعي

د. موسى علاية :
في زمنٍ اختلطت فيه الأدوار، وصار الجهل يتنكر بلباس الحكمة، نشهد اليوم موجة جديدة من “حملات التنوير” يقودها من لا يملكون من العقل إلا ادعاءه، ومن الوعي إلا صراخًا أجوف، ومن الثقافة إلا اقتباسات سطحية من هنا وهناك. إنها “حملة يقودها حمار” – لا مجازًا فقط، بل واقعًا حين يتحول من لا يفهم شيئًا إلى من يتصدر كل شيء.
الخطير في الأمر ليس الجهل وحده، بل الجهل حين يلبس ثوب البطولة. ترى أحدهم يكتب كأنه محرّر العقول، يصرخ بالحرية، وهو لا يحرّر حتى نفسه من قيود الغباء المتراكم. يتحدث عن الفكر، وهو لا يفرق بين كان وإن. ينظّر عن النهضة، وهو لم ينهض يومًا من سريره ليفكر، بل ينهض ليجادل. يهاجم العلماء والمفكرين، لا لأنه اختلف معهم، بل لأنه لم يفهمهم أصلًا.
في هذا المشهد، يصبح المثقف الحقيقي متهمًا، والمهرج نجمًا، والعاقل محل سخرية، والغبيّ هو الذي يحدد من يفهم ومن لا يفهم. إنها كارثة فكرية حين تُصبح الضحالة مقياسًا، والجعجعة منهجًا، والتافه رمزًا. هؤلاء “الناشطون” لا يريدون إصلاحًا، بل يريدون فقط أن يُصفّق لهم الجمهور، ولو على هراء. لا يعرفون معنى الوعي، لكنهم يرفعون شعاراته. يعتقدون أن الكتابة الساخرة ذكاء، وأن الهجوم على الرموز نقد، وأن الوقاحة شجاعة.
إنها لحظة عبثية في التاريخ، حين تتصدر الحملة رؤوس لا تعرف حتى وجهتها. حمارٌ في المقدمة، وأصوات من حوله تهتف وتصفّق، لأن لا أحد يريد أن يعترف بأن الركب ضل الطريق منذ اللحظة الأولى. ربما حان الوقت لنسأل: ما قيمة الحملة إن قادها الجهلاء؟ وما مصير وعيٍ يصيغه من لا يملك أدوات الفهم؟ في النهاية، الحملة التي لا تحمل عقلًا، ليست أكثر من نهيقٍ جماعي… وصدى الحمار لا يصنع مجدًا، بل يفضح العار.