حول مؤتمر الباحثين الغرباء قراءة تحليلية للكاتبة الدكتورة لمياء الكندي

رواها360:
على عادة المؤتمرات والندوات والورش وغيرها من الأنشطة، يكتفي المنظِّمون بنشر ورقة ختامية تُعرف بالبيان الختامي، يُستعرض فيه المؤتمرون نتائج الاجتماع وتوصياته.
وبالوقوف عند النتائج الختامية لمؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين الذي انعقد في 11-12 أكتوبر الجاري، ونظّمته مؤسسة توكل كرمان الدولية، ومن خلال قراءتي للبيان الختامي المنشور في موقع بلقيس نت تحت عنوان:
(إسطنبول.. البيان الختامي لمؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين يعلن خارطة طريق لإنقاذ اليمن)
وجدتُ عنوانًا يُبهج أي قارئ، وأي يمنيٍّ يتطلع إلى وضع نهاية فعلية للحرب، خاصة بعد مراحل الخذلان التي عشناها كشعب من القيادة السياسية التي اتجهت إلى تجميد الوضع الراهن ليصبح حالة شبه مستدامة من حالات اللاّحرب واللاّسلام.
وأثناء قراءتي للبيان المنشور لم أجد خارطة طريق أمامي ولو من باب المجاز، لم أجد مشروعًا حقيقيًا يمكن أن يُطرح للنقاش، ولم أجد رؤية يمكن مباشرتها للدخول في وضع ينهي الحرب، بل لم يرد ذكر الحرب في هذا البيان!
غابت الخارطة عن مؤتمر الباحثين، وغاب اليمن الذي يعيش واقعًا حربيًا مأزومًا منذ أكثر من عشرة أعوام.
اجتماع نخبوي ينتهي ببيان لم تُشِر فيه النخبة الباحثة أو المتعلمة (الأورو-يمنية) التي شقّت طريق سفرها من خارج اليمن لتستقر خارجه، وتُقِر خارطة طريق لم يحضر فيها اليمن وفق واقع اليوم وتحديات الأمس والغد.
غابت الإشارة إلى الحرب، وغابت الإشارة إلى الانقلابيين الحوثيين، وتم إلباس قضية الدولة والجمهورية والانقلاب السلالي وجرائم الحوثيين ووسائلهم في إرهاب المجتمع والقمع بشتى ألوانه جلبابًا فضفاضًا لا نميّز فيه أي مشهد من مشاهد جنايتهم على الدولة والشعب.
مؤتمر الباحثين والخبراء بنسخته الحالية عارٌ على الباحثين، وعارٌ على أصحاب الأقلام الحرة أن يُجَرّوا إلى هذه المهزلة باسم البحث العلمي، وعارٌ على العلم الذي انتسبوا إليه.
حتى عنوان وشعار المؤتمر يُنبئان عن سذاجة كبيرة في التعاطي مع قضية وطن ودولة تتعرض لأبشع سلوك عنصري وتجريف هوياتي غير مسبوق؛ فعنوانه يوحي وكأننا أمام برنامج سياسي لمنافسة انتخابية أو دعوة حزبية لتشكيل حكومة تكنوقراط تحت شعار «إمامة العلم».
يا له من شعار، ويا له من برنامج!
يا مروان الغفور، لأنني أعوِّل عليك كثيرًا، وأنت من كشفتَ لنا زيف ألفٍ وأربعمائة عام من التدجين السلالي، كيف سقطنا في بئر الوهم الحداثي المليء بالزيف والدعاية والمشاريع المستترة التي لا تعترف بمعاناتنا ولا بجبهاتنا، ولا بكوننا شعبًا انفصلت عنه نخبته وبقي وحيدًا أعزل.
ألا تعرف أن هذا المؤتمر بمخرجاته وتوصياته لا يصلح حتى لتقديمه إلى حكومة ائتلاف وطنية تم تشكيلها في فترة انتقالية؟
لأنه يحمل مضامين مشاريع توجيهية تُرفع إلى حكومة منتخب يرتجى منها التصحيح تمكّنت من السيطرة على الوضع وإنهاء الانقلاب وتبحث عن خطوة جاده لتثبيت هذه المرحلة.
وهذا هو العنوان الحقيقي الذي تضمّنته مقررات هذا المؤتمر، لأنه تجاوز الانقلاب، وتجاوز الحرب الدائرة، وتجاوز الجبهات العسكرية والأوضاع الأمنية ومشاريع التقسيم والتدخلات الخارجية الحاصلة، وركّز على توصيات لا تنسجم مع الواقع، وكأنه تقرير أتى من بلاد واق الواق!
لكن يبدو أن بلاد واق الواق التي يتحدث منها الخبراء والباحثون اليمنيون جميلة جدًا، فصرفهم جمالها عن إدراك وتدارك بلاد واق الواق التي نعيشها نحن كشعب، وعاشها الزبيري ورفاقه قبل ستين عامًا.
كيف يشير المؤتمر في بيانه إلى إنهاء الوضع العسكري وعسكرة الدولة، وهي دولة حرب قائمة على العسكرة يسندها العساكر في الجبهات، وتسندها قوى المقاومة الوطنية؟
ذكّرتني مسألة «إنهاء الوضع العسكري» بكلام السياسيين قبل الانقلاب، وكلام الثوار وغيرهم من جوقة الوطنية الثورجية على الجيش تحت عنوان «إسقاط الجيش العائلي» ومشروع «هيكلة الجيش»؛ تلك الجدلية التي قادتنا إلى إسقاط وطنٍ بأكمله وتقديمه نهبًا إلى سواد الكهنوت ليحكمنا.
وبعيدًا عمّا ذهب إليه المؤتمرون من كلام حول قضايا التنمية والتعليم والطاقة والصحة والغذاء وتفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي وغيرها من الهرطقات التي يوهم بها المثقفون حول الحلول البرستيجية والتنظيرية للأزمات، سأناقش معكم واقع ومستقبل الحياة السياسية كما ورد في البيان:
«حيث شدّد البيان على أهمية التمسك بالثوابت الوطنية المتمثلة في النظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية، وإنهاء مظاهر العسكرة، إضافة إلى بناء الدولة المدنية من خلال نزع سلاح الجماعات المسلحة، وإعادة تأهيل ودمج المقاتلين في مؤسسات الدولة».
وبالنظر إلى ما احتواه البيان في الجانب السياسي، أليس من الأولى بالباحثين أن يبادروا إلى وضع حلول تنهي الحرب الحالية، ويحصروا الحوثيين في خانة الضرورة للاستجابة للمقررات الدولية وفق قرار مجلس الأمن رقم (2216)، كونها الوسيلة الوحيدة لإنهاء الحرب؟
ودعوة الحكومة الشرعية الحالية إلى القيام بإصلاحات عاجلة، كونها حكومة جمهورية تعبّر عن الثوابت الوطنية، والإعلان — من خلالهم كخبراء وباحثين — عن استعدادهم لمباحثات ونقاشات مع الحكومة لتقديم برامج إصلاحية عاجلة.
لقد تجاهل الباحثون أن هناك حكومة شرعية معترفًا بها، يُفترض أن يتم من خلالها إسناد الدولة، لأن مشروعنا هو استعادة الدولة.
لكنهم لم يفعلوا، وبهذا يذهبون إلى إسقاط الدولة وإيجاد أخرى، دولة تستسيغها النخبة الباحثة، تتكوّن من مركّبات متعددة تعترف بالحوثيين، وتدعو — حسب ما جاء في البيان — إلى مصالحة وطنية.
مصالحة مع مَن؟
هل تقصدون مصالحة ثوار فبراير مع «العفافيش»؟
أم مصالحة «الإصلاح» مع «المؤتمر»؟
أم مصالحة الجنوب مع الشمال؟
أم المصالحة مع الحكومة الشرعية ومؤسساتها والأحزاب الوطنية؟
مؤكّدًا أن هذه المصالحة لم تكن واردة في معناها لدى رعاة المؤتمر؛ فالمعنى الحقيقي للمصالحة هو المصالحة مع الحوثيين والاعتراف بهم كشريك سياسي وحكومي نتقاسم معه الوزارات والمؤسسات والمحافظات والثروات وحتى الفكر والعقيدة.
هذه هي المصالحة التي يدعون إليها، متناسين أننا نخوض حربًا من أجل أن ننتصر ونُخضع عدوّنا، لا من أجل أن نتصالح معه، فاختلافنا معه ليس سياسيًا فحسب، بل هو اختلاف عقائدي وسياسي وفكري ومنهجي وعسكري واجتماعي — اختلاف لا نلتقي معه إلا بالخضوع للجمهورية وثوابتها ومبادئها.
إن أكثر ما يخيفني من هذا المؤتمر هو أنني أعتبره مؤتمرًا تم الإعلان عنه والانتهاء منه كمقدمة لمشروع كبير ما زال يُعمل عليه في الخفاء، وأن تقديم هذا المؤتمر إنما هو من أجل إسناد ما خفي ليُعرض لاحقًا على أنه مشروع سبق وتناول حيثياته «مؤتمر الباحثين»، ليُستند إلى أسمائهم وصفاتهم في كتابة تاريخ تآمري جديد على اليمن تحت مسمى «المصالحة والسلام».
هناك — يا رفاق — مشروع يُحاك ضد الجمهورية، ومشروع للتوافق والتصالح مع الكهنوت الحوثي، مشروع دولة هجينة: جمهورية الاسم، إمامية العقيدة، سيُقدَّم باسم السلام، وبدافع اليأس من أن الحرب لم تُحسم واستحالة أن تُحسم، وسيروج له تحت طائلة الفشل الحكومي، دون أن يفكر أحد بإسناد هذه الحكومة فعليًا لتمتلك قرارها الداخلي قبل الدولي.
وحتى مشروع «الهوية الجامعة» الذي دعا إليه المؤتمر، يظل مجهولًا، ويظل حبيس متخيلٍ خاصٍّ ينتظر المصالحة حتى يتم صياغته.
فهم يدعون إلى تبني دعوة لهوية يمنية جامعة، وهنا نسألهم: ما هي الهوية الجامعة؟ ولماذا تدعون إلى تبنيها؟
لماذا لم تعلنوا عنها وتدعوا إليها طالما قد اجتمعتم، وأنتم نخبة الفكر والعلم، وبكم ستُقام إمامة الدولة؟
مجرد تساؤلات ختامية لا أكثر.
ودمتم بخير.