حين يصبح النجاح جريمة في عيون الفاشلين ،،
كتب الدكتور / أمين عبدالخالق العليمي

رواها 360:
في زمنٍ غريب الأطوار، حيث يُهان العلم وتُستهان القيم، نجد من يظن أن شرف الإجتهاد والكدح للوصول إلى مراتب العُلا، هو جرمٌ يستحق المحاكمة! وهل تدري ما الجريمة؟ أن تكون قد تلقيت تعليمك في نظامٍ أكاديميٍ محترم، وانتقلت بين مراحله وفقًا للقانون، لتنتهي ضابطًا برتبة ملازم ثانٍ أو خريجًا جامعيًا اجتهدت وكافحت وسهرت الليالي حتي وصلت لشهادتك باقتدار.
لكن مصيبتك الأكبر وجرمك أن تكون ابن مسؤول أو حفيد رئيس، حينها تُصبح نجاحاتك تهمة، وأخلاقك شبهة، وكأن النسب جرمٌ والقيم خيانة!
تلك هي مأساة جيلنا، يا صديقي، جيلٌ يعجُّ بمدّعيّ الصحافة والإعلام، أولئك الذين لم يعرفوا قاعة دراسة ولا استقام لهم قلمٌ في يومٍ من الأيام، وجدوا أنفسهم، بقدرة قادر، يُطلق عليهم لقب “إعلامي”، تمامًا كما تُطلق النعوت دون استحقاق، وكأنهم يمارسون هواية أكثر مما يمتهنون مهنة.
تأمل في هؤلاء قليلًا ، يظنون أنفسهم حراسًا للحق، وهم في الحقيقة كحراس المنازل المهجورة، يقضون حياتهم في مطاردة الأشباح، يبحثون عن قاذوراتٍ ليأكلوا منها، كذبابٍ عجيب لا يرضى بأن يحط على الورود أو يقتات من العسل.
أي جهلٍ هذا وأي انحطاط!
هم لا ينتقدون ليبنوا، ولا يوجهون ليُصلحوا، بل يَهوون جلد كل نجاحٍ فقط لأنهم لا يعرفون الطريق إليه، ولأنك ابن مسؤولٍ أو حفيد رئيسٍ، تُصبح نجاحاتك سببًا لإثارة حقدهم، وكأنك اخترت نسبك بيديك أو فرضت تاريخ أجدادك بقرارٍ شخصي!
ولكن، مهلاً، دعنا لا نحزن، فمثل هؤلاء، يا صديقي، يستحقون أن نضحك منهم لا أن نغضب، كيف لا؟ وهم يتعثرون بكلماتهم، ويغرقون في بحر جهلهم كلما حاولوا السباحة فيه، تخيلهم يجلسون خلف شاشاتهم، يصنعون الاتهامات كما يصنع الأطفال قلاعهم الرملية، فقط لتأتي موجة الحقيقة فتُحيل كل ما بنوه إلى سراب.
وإن أردت درسٍ في السخرية، فلتقل لهم: ما أروع أن تكون نجاحاتي شوكةً في حلق الفاشلين! وما أجمل أن أعيش في قلوبكم مجانًا، كمصدرٍ دائمٍ لحديثكم الفارغ!
لن يُدرك هؤلاء أن النجاح الحقيقي ليس في الألقاب ولا في الأنساب، بل في الكفاءة التي تثبتها الأفعال، فدعهم، يا صديقي، يواصلون نبش القاذورات كعادتهم، ودع نجاحاتك ترتفع كالجبال، لأن السلاحف لا تصل إلى قمم الجبال، تماماً كما لا يصل الجاهلون إلى حقائق الأمور.
واخيرًا في عالمٍ يعجُّ بالضوضاء والضجيج، كن كالشمس التي تشرق في صمت، لا يوقفها نباح الكلاب ولا تُحجب بألسنة الحاقدين، فمن كان جهله أكبر من عقله، سيبقى يدور في دوامة الكراهيه، بينما أنت تمضي، بخطواتٍ واثقة، نحو مزيدٍ من النجاح والإنجاز وإلى الأمام كنعان ورشاد.