خطر المساعدات الخارجية على الدول النامية

فريد السعيدي:

ليست كل المساعدات التي تقدمها الدول الغربية للدول النامية عملاً إنسانيًا خالصًا أو بدافع إنقاذ الشعوب الفقيرة من أزماتها. فاليمن وسوريا والصومال وغيرها من الدول التي عانت الحروب والأزمات مثال حي على أن المساعدات لم تكن في كثير من الأحيان إلا وسيلة لفرض نفوذ سياسي واقتصادي طويل الأمد.

المساعدات لا تُمنح من باب الرحمة كما يُسوق لها في الإعلام الغربي، وإنما تأتي في إطار حسابات دقيقة تضمن إبقاء الدول المستفيدة رهينة للخارج. فالمواطن حين يعتمد على ما يصل من مساعدات غذائية أو مالية يفقد تدريجيًا الدافع نحو الاعتماد على الذات والسعي للاكتفاء الداخلي، ليصبح أسيرًا لحالة من التبعية يصعب الخروج منها. ومع مرور الزمن تتطبع المجتمعات مع هذا الواقع حتى يرى كثير من الناس أن لا جدوى من الجهد والعمل إذا كانت المعونات ستصل في النهاية.

الأخطر من ذلك أن هذه المساعدات تزرع عقلية الاتكالية، وتعيق أي محاولة حقيقية للتنمية المستدامة. فبدلًا من أن تكون الأزمات حافزًا للابتكار والإنتاج المحلي، تتحول إلى ذريعة لانتظار ما يأتي من الخارج. وهكذا، تتحقق أهداف المانحين في إبقاء الدول النامية ضعيفة، منشغلة بتأمين احتياجاتها اليومية، وغير قادرة على اتخاذ قرارات اقتصادية أو سياسية مستقلة.

في العالم العربي مثلًا، أصبح الاعتماد على الاستيراد والمساعدات سمة واضحة، في وقتٍ تملك فيه هذه الدول مقومات كبيرة تؤهلها للإنتاج والاكتفاء الذاتي لو توفرت الإرادة السياسية والوعي الشعبي. غير أن سياسات التجهيل، وضعف الاستثمار في التعليم والزراعة والصناعة، وغياب الرؤية الوطنية تجعل المواطن يركض خلف الماديات وكأنها الطريق الوحيد للعيش بسعادة.

إن خطورة المساعدات لا تكمن في حجمها فقط، بل في نتائجها بعيدة المدى. فهي تضعف قدرات الدول على النهوض بمقدراتها، وتجعل الشعوب أسيرة لثقافة “الاعتماد على الغير”. وهذا يعني أن الخروج من هذه الدائرة لا يتم إلا عبر وعي مجتمعي يرفض الاستكانة، وسعي حقيقي نحو الاكتفاء الذاتي، وتنمية تقوم على استثمار الطاقات البشرية والموارد المحلية.

إن بناء اقتصاد قوي ومستقل لا يتحقق بمزيد من المساعدات، بل بمزيد من العمل والإنتاج، وبتربية جيل يؤمن أن كرامته في جهده، لا في انتظار ما تجود به يد الآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى