خمسة في المئة تصنع النهضة… وخمسة وتسعون في المئة تُحاصر الأمل

د. أمين عبدالخالق العليمي:

في عام 2006م، وأثناء زيارة وفد إيطالي رفيع المستوى إلى اليمن، وجّه فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي – حين كان وزيراً للداخلية – سؤالاً عابراً يحمل في طياته عمقاً: كيف وجدتم اليمن؟

فأجاب أحد المسؤولين الإيطاليين بصدق جارح: خمسة في المئة يعملون بكفاءة وإخلاص، وخمسة وتسعون في المئة يبذلون جهدهم لعرقلة هؤلاء،

وجاء هذا التقييم بعد شهر كامل قضاه الوفد في جولة شملت معظم المحافظات، واطلع خلالها على المؤسسات الأمنية وغيرها، ليخرج بانطباع يعكس واقعاً مريراً ما زالت الأمة تكابده حتى اليوم،

إنها معادلة مؤلمة: قلة قليلة تشق الطريق، تضحي بوقتها وجهدها لتضع لبنة فوق لبنة، وتفتح للوطن نافذة نحو النور، وكثرة غالبة لا تشغل نفسها إلا بإلقاء العوائق، وتثبيط الهمم، والتشكيك بالمنجز، حتى كاد صوتها العالي يطغى على الفعل الصامت المثمر،

وما أشبه الأمس باليوم، ونحن نرى فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي، ودولة رئيس الوزراء الأستاذ سالم صالح بن بريك، وفريقهما الحكومي، يخوضون غمار الإصلاحات الاقتصادية والإدارية وسط حرب منهكة وظروف خانقة، يعملون بصمت، يواجهون ضغوطاً قاسية، ويحاولون أن يرمموا ما تهدم من مؤسسات الدولة، فيما يتفرغ البعض للتشويش والتحريض عبر منصات التواصل والإعلام، في خطاب لا يستند إلى وعي ولا إلى مسؤولية، وإنما إلى نزوات آنية أو شهية للظهور أو خدمة لأجندات لا تعنيها مصلحة الوطن،

إن الشعوب لا تنهض بالضجيج ولا بغزارة الشعارات، بل حين يتحول النقاش العام إلى رافعة تدعم العمل وتفتح آفاقاً جديدة، لا حين يصبح أداة إعاقة وتشكيك،

الأوطان تُبنى بعزيمة قلة مؤمنة بالفعل، وبأكثرية واعية تُدرك أن البناء يحتاج إلى وقت وصبر، وأن واجبها أن تمنح الثقة لا أن تزرع الخذلان،

والمؤسف أن بعض الأصوات – عن وعي أو عن جهل – تروج لأباطيل خصوم الوطن، وكأننا في موسم انتخابات وهمية، متناسين أن ميدان التنافس الحقيقي سيكون غداً بعد النصر عند صندوق الاقتراع، حيث يتساوى الجميع أمام إرادة الشعب،

أما اليوم، فالمعركة معركة بقاء الدولة، ومهمة الجميع أن يحفظوا شرعيتها ويعضدوا جهودها لا أن يضعفوها،

إن من يتصدّر المسؤولية في مثل هذا الظرف العصيب لا يذهب إلى مغنم بل إلى مغرم، ولا يجني مكاسب شخصية بل يحمّل نفسه أعباء وطن بأكمله، ومن الإنصاف أن نمنحهم ما يستحقونه من دعم وثقة، وأن ندعهم يعملون، وحسبُنا منهم الشجاعه بالقبول بتحمل المسئوليه في مثل هكذا وضع ووقت عصيب، فالمستقبل لا تصنعه الأصوات المشتتة على الطاولات، بل الأيدي الصابرة التي تنحت في الصخر لتشق طريق الأمل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى