دعوة الخضر

كتب صابر الجرادي:

تحكي أمي وهي من قرية أكثر تطورًا، من قرية أبي التي تعاني من الحسد والفقر المُدقع لأنها في رأس الجبل، أن الخضر وصل ذات يومًا متأخرًا وكأن جائعًا، عاطشًا ومرهقًا أيضًا أراد أن يأويه أحدهم فرفض الجميع أن تطأ قدماه منزله، عذرهم وطلب طعامًا فتعذر الجميع أنهم لا يملكون قوتهم، الماء فلم يعطه أحد، لقد صعد إلى تلة محاذية للقرية ودعاء عليهم، ولهذا قد يموت أحدهم من الجوع ولا يلتفت له أحد، ويحسد بعضهم بعضا والكل في شقاء.
لقد شلَّت دعوة الخضر قوت الناس، مائهم، تكاتف بعضهم لبعض، وغمر الفقر والشقاء والأنانية القرية. ماعاد بوسع الرجل أن يعطف على جاره أو حتى أخاه. ماعاد بمقدور الكبير أن يعطف على الصغير، أو حتى الكبير أن يتوقف عن زجر أطفاله. وعندما يقع أحدهم في مصيبة أو تربص به عدوء من خارج القرية أن يفزع معه أحد. ولو أن أحدهم بالصدفة فزع مع أحدهم تكون لمصلحة شخصية.
لا أحد منهم يقبل أن يطلب من الأخرين أن يتوبوا إلى الله ويعتذروا.
أختفى الماء من البئر، وقحلت تلك الأرض التي كانت تكفيهم، وكثرت المشاكل، واختفت المواعظ، وكثُرت الأكاذيب والنمائم. حتى بات من الممكن سماع مشاكلهم إلى أبعد قرية في الوادي الذي تحتهم، بل أصبح من في الأسفل يرى صياح بعضهم بعض فوق سطوح منازلهم قبل الغروب، مثل الرسوم المتحركة في عالم رمادي.


وقعت حرب في الوادي. سمعها من في القرية، توقفوا، ولم يعد شيء يشغل بالهم سوى الوادي، حيث انقسموا لقسمين وتصارعوا كل يريد أن يحكم الوادي، قصف كل واحد منهم الأخر بما لديه من سلاح، وتدمرت المنازل وهاجر الأذكياء من الوادي، وبقي الأغبيا يتصارعوا، ثم تدخل رجال من خارج الوادي، وعينوا مبعوثًا أممي يحكم جميع الأودية، ثم بعد حضور مبعوث خارجي، تم وضع هدنة بين الجميع، على أن يبقَ كل واحد في مكانه ويحكم كل واحد القرى التي يسيطر عليها.

لقد تكدست الأفكار في عقولهم أهل القرية وهم يشاهدون ما يحدث في الوادي بوضوح لأن الوادي تحتهم، عكس ماكان يشاهده أهل الوادي فالقرية أرفع منهم، قالت أمي، لقد صِحتُ فيهم أن يعوا قبل أن يدمر بعضهم بعضا، ولأول مرة يسمعون جميعهم شخص واحد، قالت بعد ذلك نظر كل واحد منهم للأخر، وفجأة
أقترب بصمت بعضهم_ في الوقت ذاته_ من بعض وتعانقوا، تعانقوا كأنهم لأول مرة يلتقوا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى