دعوة للمصالحة مع الذات اليمنية

د. عبدالكريم قاسم:
ما نحتاجه اليوم ليس جلد الماضي فقط، ولا التعلق المرضي به. نحتاج إلى جرأة المصارحة ومواجهة النفس، والاعتراف بأننا كلنا كنا جزءًا من لعبة حكم طويلة، وأن خلاص اليمن لن يكون بإنكار ما كنا عليه، بل بفهمه وتجاوزه.
لا خلاص ما لم نتصالح مع حقيقتنا كشعب عانى طويلًا من تمجيد القوة على حساب العدالة، ومن تقديس الزعيم بدل بناء الدولة. لا سبيل لبناء يمنٍ جديد ما لم نكفّ عن اجترار صراعاتنا القديمة، وما لم نكفّ عن إعادة تدوير أدوات الماضي في حاضرٍ يتطلب وعيًا آخر.
نحن بحاجة إلى أن نغفر لأنفسنا أولًا، لا لصالح فقط، ولا لمن بعده، بل لأنفسنا نحن، الذين صفقنا ثم بكينا، الذين خُنّا ثم ندمنا، الذين عشنا نصف قرن بين شعارات لا تُطعم خبزًا، وخبزٍ لا يحفظ كرامة.
المصالحة الحقيقية تبدأ حين نعترف أننا شعب يستحق دولة، لا زعيمًا. حين نؤمن أن الوطن لا يُختزل في شخص، ولا يُقاد بالبندقية، ولا يُنهض بالخداع.
فلنُغلق صفحة صالح بصدق، لا بحقد ولا تمجيد. ولنفتح صفحة جديدة لا تشبهه… ولا تشبهنا ونحن في أسوأ حالاتنا.