“ديب سيك”.. التطبيق الصيني الذي قلب موازين الذكاء الاصطناعي وأربك عمالقة التكنولوجيا

تطبيق «ديب سيك»في مفاجأة غير مسبوقة، نجح “ديب سيك”، تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني، في تحقيق ما كان يُعتقد مستحيلاً: تفوق على “تشات جي بي تي” الذي يعد الأبرز في سوق الذكاء الاصطناعي والذي تديره شركة “أوبن إيه آي” الأمريكية. هذا التفوق لم يقتصر على الأداء المذهل فقط، بل ضرب في الصميم فكرة أن الولايات المتحدة هي المهيمنة بشكل مطلق في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ومع الانطلاقة المفاجئة لهذا التطبيق الصيني، بدأنا نشهد تغييرات جذرية في توازنات القوى التكنولوجية العالمية، وهو ما أثار صدمة في وادي السيليكون، بل وفتح باباً لأسئلة غير مسبوقة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي.
التحدي الصيني: “ديب سيك” يتفوق بسعر غير معقول!
في الوقت الذي كان يعتقد فيه الجميع أن التطوير في تقنيات الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات ضخمة لا حصر لها، جاءت الصين بتطبيق “ديب سيك” ليكسر هذه الفكرة تماماً. بينما كانت الشركات الأمريكية تنفق مليارات الدولارات لتطوير تقنياتها، تمكنت “ديب سيك” من تحقيق أداء يفوق التوقعات بتكلفة منخفضة للغاية، بلغت أقل من 6 ملايين دولار فقط! هذا الرقم كان صادماً، وفتح المجال لمقارنة قاسية بين تكلفة تطبيق “ديب سيك” وبين المليارات التي أنفقتها الشركات الغربية. كيف استطاعت الصين أن تُحقق هذه المعجزة التكنولوجية، وماذا يعني هذا للمستقبل؟
“ديب سيك” لم يتفوق فقط في الأداء، بل في الجودة والقدرة على تنفيذ مهام معقدة، مثل حل المسائل الرياضية، البرمجة، والاستدلال اللغوي الطبيعي. كل هذا بأسعار أقل بكثير من تلك التي اعتاد السوق على دفعها. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الشركات الأمريكية قد أسرفت في الإنفاق على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأين يمكن أن تقف هذه الشركات في مواجهة المنافسة القادمة من الصين، التي بدأت تكتسب زخماً سريعاً.
الصدمة الأمريكية: هل نعيش لحظة سبوتنك جديدة؟
التأثير الذي أحدثه “ديب سيك” كان مدوياً لدرجة أن كبار المستثمرين والمستشارين في وادي السيليكون وصفوا ما حدث بأنه يشبه الصدمة التي شعرت بها الولايات المتحدة بعد إطلاق سبوتنك السوفيتي في عام 1957. ففي تلك اللحظة، أظهر الاتحاد السوفيتي قوته في الفضاء وحقق تفوقاً علمياً كان يُعتقد أنه مستحيل. اليوم، نشهد نفس الصدمة، ولكن في المجال التكنولوجي، حيث أن “ديب سيك” قد نجح في تفوق مذهل على منافسيه في الغرب، مما يجعل العالم يترقب المدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا التطبيق الصيني في المستقبل.
هذه المقارنة تشير إلى أن التفوق الصيني لم يكن مجرد حدث عابر، بل هو بداية تحول كبير في القواعد التي تحكم صناعة التكنولوجيا في العالم. وفيما ترى بعض الأوساط أن الولايات المتحدة ستستعيد هيمنتها على المدى الطويل، إلا أن الواقع يشير إلى أن الصين قد أصبحت منافساً قوياً يمكن أن يعيد تشكيل معالم المستقبل.
التكنولوجيا الصينية:
ما جعل “ديب سيك” أكثر إثارة هو أن الصين قد طورت هذه التكنولوجيا في ظل صعوبات كبيرة فرضتها القيود الأمريكية على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة إلى الصين. في البداية، اعتقد الجميع أن هذا الحظر سيؤدي إلى تعطيل مساعي الصين في تطوير الذكاء الاصطناعي، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً.
المطورون الصينيون بدأوا في العمل بذكاء أكبر، وقاموا باستخدام تقنيات أقل تكلفة مما كان متاحاً سابقاً، معتمدين على رقائق متاحة بسهولة أكبر، مما سمح لهم بتطوير نماذج تحتاج إلى قدرات حوسبية أقل بكثير. هذا التطور كان في حد ذاته بمثابة ضربة قاسية لتوقعات الغرب، الذي كان يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يتطلب بنية تحتية معقدة وتكلفة ضخمة.
المفاجأة الأكبر كانت في أن هذه النماذج ذات التكلفة المنخفضة أصبحت قادرة على إجراء عمليات معقدة على نفس مستوى التطبيقات الغربية. وهذا يعيد رسم خريطة المنافسة في الذكاء الاصطناعي، حيث قد نجد أن “ديب سيك” قد هيأ لنفسه مستقبلاً واعداً على المستوى العالمي.
أسهم الشركات الأمريكية تتراجع: الصدمة تمتد إلى الأسواق المالية
لا تقتصر تأثيرات ظهور “ديب سيك” على الشركات التكنولوجية الكبرى فقط، بل امتد تأثيره إلى أسواق المال. ففي اليوم الذي تفوق فيه التطبيق الصيني على “تشات جي بي تي” في الولايات المتحدة، شهدت أسهم العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “إنفيديا” و“مايكروسوفت” و“ميتا” انخفاضات حادة.
هذا التراجع في أسواق الأسهم يعكس حجم الصدمة التي تلقاها المستثمرون في هذه الشركات، ويظهر القلق المتزايد من أن “ديب سيك” قد يهدد الأرباح المستقبلية لهذه الشركات، خاصة في ظل تزايد المخاوف من تباطؤ نمو الذكاء الاصطناعي في أمريكا نتيجة للتحدي الصيني.
من هو العقل المدبر وراء “ديب سيك”؟
لكن من يقف وراء هذه الثورة الصينية؟ إنه لينغ وينفينغ، مهندس المعلومات الذي أسس “ديب سيك” في عام 2023 في مدينة هانغتشو الصينية. كان وينفينغ يملك رؤية واضحة في استخدام الرقائق الإلكترونية التي كانت متاحة له، وهو ما مكنه من تطوير هذا التطبيق الذي حظي بقبول واسع.
وبالرغم من الحظر الأمريكي على تصدير الرقائق المتقدمة، استطاع وينفينغ الاستفادة من نوع آخر من الرقائق وتطوير تطبيقه من خلالها. في خطوة غير مسبوقة، قام وينفينغ باستخدام مجموعات من الرقائق التي كانت محجوزة سابقاً، وبذلك استطاع تقديم نموذج منخفض التكلفة للغاية مع أداء مذهل.

المستقبل المجهول: “ديب سيك” على عتبة الهيمنة؟
إن ظهور “ديب سيك” يعيد تشكيل نظرتنا إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي. هل سنشهد عودة للهيمنة الأمريكية على السوق؟ أم أن الشركات الصينية ستكون هي القوة التي تقود مستقبل الذكاء الاصطناعي في العالم؟ من الواضح أن المستقبل سيكون مليئاً بالتحديات، لكن الصين قد أثبتت بالفعل أنها قادرة على دفع عجلة هذه الصناعة بشكل لم يكن أحد يتوقعه.
في النهاية، “ديب سيك” ليس مجرد تطبيق جديد، بل هو إشارة إلى تحول كبير في صناعة التكنولوجيا العالمية. وعلى الرغم من أن الطريق أمامه لا يزال طويلاً، إلا أن نجاحه السريع والشامل يشير إلى أن العالم قد يكون على وشك الدخول في عصر جديد من الذكاء الاصطناعي، حيث ستكون المنافسة أكثر شراسة وتكلفة أقل، وهو ما سيغير ملامح هذا القطاع بشكل جذري.
تعليق واحد