سوريا تنهض واليمن يغرق في دوامة الفوضى

البروفيسور أيوب الحمادي..
في الوقت الذي تسعى فيه سوريا بجدية إلى إعادة بناء نفسها بعد سنوات الحرب والصراع، يظل اليمن غارقاً في دوامة لا تنتهي من التخبط والفشل على مختلف المستويات. وبينما تظهر القيادة السورية وعياً وحنكة وضوح رؤية ومشروع جامع للدولة السورية وفي إدراك أن مستقبل البلاد لا يُبنى إلا بالكفاءات والخبرات الحقيقية، تواصل بعض النخب السياسية والقيادات في اليمن تكريس الفشل ومشاريع التمزيق والزعامات الفارغة، متجاهلة أبسط معاني المسؤولية الوطنية تجاه نهوض واستقرار الأمة اليمنية. هذا التباين في النهج القيادي ينعكس بوضوح على واقع البلدين؛ ففي سوريا نلحظ واقعية وذكاء في إعادة البناء رغم الاستهداف المستمر من جهات متعددة، وشعباً تعلم من تجاربه واغترابه، ما عزز لديه التفاؤل والرغبة الصادقة في العطاء.
تتجسد نتائج هذا النهج في سوريا في حراك تنموي ملموس، ومشاريع إعمار حقيقية واستقرار، وعلاقات دولية متينة، وقيادات تمكنت من كسب ثقة شعبها ودعم مالي خارجي كبير واسناد الجوار وقيادات تعمل كخلايا نحل. لم تكن هذه القيادات يوماً بعيدة عن الوطن حتى أثناء النزوح، بل استثمرت تلك المرحلة في تطوير ذاتها والبحث عن العقول السورية والمشاريع، لتعود حاملة معها أفضل ما اكتسبته من معارف وخبرات. ويبرز هنا شعار الهوية الوطنية الجديد كأشارة، المستلهم من التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، كدليل على رؤية واضحة للنهوض ورسالة تؤكد أن سوريا لن تكون “حديقة خلفية” لأي طرف خارجي، بل تسير بثبات نحو الأفضل دون رجعة. ورغم محاولات التشكيك، تزداد القناعة بأن سوريا ستنهض بوتيرة أسرع مما يتوقعه كثيرون.
في المقابل، يختلف المشهد في اليمن تماماً، حيث لم تستفد بعض القيادات من التجارب الخارجية أو الدعم الدولي، ولم تواكب التغيرات السياسية التي شهدها البلد أو المنطقة ولم تستفيد من المشاريع العملاقة التنموية في المنطقة لتسويق العمال اليمنية اليها مثلا. وبدلاً من السعي للاستقرار وللسلام واستعادة العقول المهاجرة وبناء مشروع وطني جامع وخطاب اعلامي جامع، اتجهت هذه القيادات إلى الاعتماد على الأقارب والأصدقاء وشخصيات تفتقر إلى التخصص أو تحمل شهادات غير معترف بها ونظرت الى استمرار الحال كما هو لصالح مصالحها. وحتى الإعلام بدوره لا يشكل استثناءً في اليمن عكس سوريا، إذ يُستخدم غالباً لتلميع صورة زائفة دون إنجازات حقيقية على الأرض، وبطل الشعب اليمني يتابعه، حتى ولو طرحت سؤال حول الحكومة او قيادات الوزارت فلم يعد احد يهتم.
ويزداد هذا الانفصال عن الواقع وضوحاً في المشاركات الخارجية اليمن والذي يشبه رحلات سياحية لمن يقوم بذلك، حيث يمثل اليمن في المؤتمرات الدولية أشخاص يفتقرون للخبرة والكفاءة، كما يتضح من تصريحات غير دقيقة حول أعداد المعلمين أو الوضع الاقتصادي، ما يثير التساؤل حول جدوى مثل هذا التمثيل في تحقيق التنمية أو تسويق اليمن. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالمؤتمرات وورش العمل واللجان الاقتصادية تتوالى بلا نتائج ملموسة، فيما يزداد الاقتصاد تدهوراً وتبقى مشاكل أساسية كالكهرباء والمياة والخدمات والتعليم بلا حلول، رغم كثرة الاتفاقيات والاجتماعات .
حتى في القطاعات الواعدة مثل السياحة والتي لو قصرناها فقط على الزيارات المةسمية للمغترب واسره، يفشل اليمن في استثمار إمكاناته، إذ لا توجد خطوط طيران وطنية حقيقية رغم تدفق ملايين الدولارات من المغتربين بشكل شهري، ويستمر الاحتكار لمشغل واحد مع صعوبة الوصول للبلد والحجز ووجود فوضى. وفي ظل هذا الواقع، ينشغل الأكاديميون والسفراء بمناقشات سياسية على منصات التواصل الاجتماعي، بعيداً عن قضايا التنمية والاقتصاد والتعليم التي تمس حياة المواطنين. وتتعامل القيادات مع عقول البلد بنوع من المجاملات لا اكثر ان تقاطعت الخطوط.
وفي نهاية المطاف، يتضح أن استمرار “الفهلوة” وادعاء القيادة لن يبني وطناً، فالعالم لا ينتظر اليمن وليس لديهم وقت ينتظرون أن نعقل، والمستثمرون الحقيقيون لا يغامرون في بيئة كهذه والمنطقة العربية واثيوبيا وغيرها تعطي كل الفرص للاستثمار بهن، ويبقى الشعب هو من يدفع الثمن دوماً.
واخيرا إن الفارق بين سوريا واليمن اليوم هو فارق في الرؤية والإرادة والقيادة والمشروع الجامع. فهل يتعلم اليمن من الدرس السوري قبل فوات الأوان؟.
والان كل قيادات الدولة سوف يصلها كلامي وسوف يكن الرد بينهم أن الوضع في سوريا مختلف تماما عنا في اليمن، حيث نحن في اليمن مشروعنا كقيادات كيف نكن شقاة باليومية في ارضنا وعند الغير. هي لعنة ازلية.