صفعة

كان “عاصي” ولدا خائبا يطارد أفكاره الشقية غير حافل بالعقاب الذي سينزله أباه حين يوعود من غربته، و لا بمستقبله الذي رسمه وحدده أبوه الصارم الهلوع. كان طائشا، بل كان ولدا متوحش. اجتمعت في روحه الشاهقة كلٌ من الطيبة البريئة للقروي النقي والطيش للمراهق الشقي، فقد عاش سنوات شبابه متمردا على كل القواني التي يعيش عليها مراهقي القرية..
ما من شك يعتري أحدًا في أن اباه يحبه لأنه ولده الوحيد، وطفله الذي بذل كل ما يملك ليحصل عليه، فقد سافر دِول عده ليتعالج حتى حظي به، قد فهم أن في شقاءه ذكاء فطري، من الفراغ وضيق مساحة القرية ومحدودية السكان، كان بارزا في شقاءه، فهو لم يجد ظالته..
وما من شك أن أستاذه في المدرسة، الذي يشيد بذكاءه ويعاقبه كثيرا لمشاغبته أمام الجميع، قد اهتم به وعمل مرارا على أن يتمسك به وينصحه على انفراد ويعطيه مما يملك الكثير، وعلمه الكثير أيضًا. فقد قال استاذه بعد أن أنها المدرسة، وغادر مع اسرته، للتلاميذ: كم أشعر بالفقد والندم لما كنت أفعله مع ”عاصي”، فقد كان فطنًا، لا يشبهه أحد، ومشاغبا لا ينكر ذلك أحد ايضا. إلا أنني لم أرَ طيلة مساري التدريسي طالبا بذكائه..
ثم قال عليكم أن تتذكروا ماذا خطب بكم في حفل تخرجه من الثانوية، حين صعد إلى المنصة وأمسك المايكرفون وقال كلاما ما زال عالقًا في ذهني، ولعمري لقد صدق، وافعلوا ما قاله: القرى غير مناسبة للبقاء الدائم، والمدن غير مهيأة للنزهة المؤقته، والبيوت، البيوتفي القرى بدورها غير ملائمة للقراءة، فنحن ابناء القرى بحاجة للسفر لنعرف أكثر، والعزلة لننتج، والصمت لنفهم.
بالرغم من ذلك فقط كان الجميع، كلما ذُكر عاصي، تذكروا فعلته، التي فعلها، حين مرت إحدى المعلمات وصفعها على مؤخرتها.