فن النقد وأخلاقياته

د. أمين عبدالخالق العليمي:

النقد هو سيف ذو حدين، لكنه في واقعنا أصبح أشبه بمنشار يقطع في اتجاه واحد، يُمزق دون أن يُصلح، ويهدم دون أن يبني.
صرنا لا نعيش إلا بالنقد، وكأننا نقتات عليه صباح مساء، ولكن ما أشد وقع النقد حين يتحول من أداة للتقويم إلى مطرقة للتكسير!
وما أشقاه حين يكون هداماً لا هدف له سوى التشفي أو تصفية الحسابات، لا فرق في ذلك بين الكبار والصغار، ولا بين القضايا الكبرى والتفاصيل الصغيرة.

حين نضع أحداً في رؤوسنا، نصبح كمن يبحث عن قشة في بحر، نغوص في التفاصيل الصغيرة، وننفخ فيها حتى نصنع منها أعاصير. نرى العيوب حتى في أبسط الأمور، كما لو أننا نملك عدسة مكبرة لا ترى إلا القبح وتتغافل عن الجمال.
حتى عيوب البغلة – كما يُقال – نلصقها على من يُصبح الهدف لنا، هدم على الآخر، وليس البناء والهادف.

أما النقد الحقيقي، فهو ذلك الذي ينطلق من النوايا الصادقة والهدف السامي، النقد الذي يحمل هم الإصلاح ويبحث عن التقويم، لا عن التشهير أو الانتقام.
حين أنتقد، لا أفعل ذلك لشهوة الكلام، ولا لغرض دفين “في نفس يعقوب”. أنتقد لأنني أريد أن أُضيء الطريق، أن أُصحح المسار، أن أبني جسراً أفضل فوق بحار الأخطاء.
النقد البناء ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو منهج قائم على الدقة والأمانة والموضوعية.
لا أكتفي بالنظر إلى السطح، بل أبحث وأتحرى وأغوص في عمق القضية، أتحرى الحقائق من مصادرها، وأزنها بميزان العدل والمسؤولية. فلا أجرؤ أن أوجه سهام نقدي إلا إذا كنت متيقناً أنها لن تجرح بلا سبب، وأنها ستحمل في طياتها بذور التغيير والإصلاح المنشود.

نحن بحاجة ماسة إلى وقفة مع أنفسنا، لنُراجع أساليبنا في النقد. كم من المرات تحولت كلماتنا إلى خناجر طعنت القلوب بدل أن تُحيي العزائم؟
كم من المواهب أُزهقت قبل أن ترى النور بسبب نقد هدَّام؟
وكم من قضايا عظيمة ضاعت بين أيدينا لأننا انشغلنا بالانتقاد بدل أن نبحث عن الحلول؟

فلننتقد، نعم، ولكن لننتقد بأدب وأمانة ومسؤولية.
لنكن كمن يُزيل الشوائب عن جوهرة ثمينة، لا كمن يُحطمها بحثاً عن تلك الشوائب.
فلننتقد ليس لأجل أن نهدم، بل لنُقيم ما اعوج، ولنُصلح ما فسد. والله لو رأينا في أحد اعوجاجاً لقومناه، ولكن التقويم لا يكون بالهدم، بل بالبناء، لا بالتشهير، بل بالنصح، لا بالتجريح، بل بالتوجيه.

وفي النهاية، فلنتذكر دائماً أن النقد مرآة تعكس شخصيتنا بقدر ما تعكس أخطاء الآخرين. فلنجعل مرآتنا صافية، ونوايانا نقية، وأهدافنا سامية، علَّنا نُعيد للنقد مكانته كأداة للإصلاح، لا كسلاح للهدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى