في المستشفى بدون تحيه .. كتب الدكتور/ أمين عبدالخالق العليمي

رواها 360:

في ليل كاد الظلام أن يحجب ضوء القمر وفي ركن من تلك المدينة التي نام فيها الجميع إلا الألم، تتراكم في القلب غصة وحزنٌ تتسع رقعته على مشهد من واقعٍ مرير يفتقر لكل معاني الإنسانية والرحمة ، كأننا نعيش في زمنٍ نسينا فيه دفء القلوب وسلام النفوس ، فقد أضحى المستشفى ذاته مسرحًا لسباق الإستغلال ، كأن كل خطوة لا تتحرك إلا بثمن ، كل يد لا تمتد إلا مقابل عمولة ، كل همسة لا تخرج إلا مترقبة نظرة أو شفقة مدفوعة مسبقًا.

تتناثر هنا وهناك كلمات باهتة بلا روح فتشعر وكأنك غريب في مكان يُفترض أن يحتضن الوجع ويخفف من ثقل المعاناة، وحين تجتاز بوابات المستشفى بثقل الألم وسيل من الذكريات المُرّه تخرج إلى الشارع في وقتٍ يكسوه الليل بسكونه لكنه سكونٌ مهيب يُمزق صمته صوت السيارات والموتورات والعربات العابثة بأصواتها وكأن في عتمة الليل مسرح مفتوح للإزعاج يعاني منه كل مريض أنهكه المرض وكل كبير بالكاد يستجمع أنفاسه وكل صغير يحاول أن يغفو بلا أنين وسط صخبٍ يتلاشى فيه كل شعور بالمسؤولية أو حتى أدنى اعتبارات الرحمة.

فإذا احتجت للتنقل وكأنما وجدت نفسك أمام سائق تاكسي وحش يتربص بمسيرك يدفع بك إلى أسعارٍ تتصاعد بجنون من  الأجر الحقيقي إلى اضعاف اضعاف إلى ما لا نهاية ، وكأن الليل قد كشف عن وجوه لا تعرف الرحمة ولا تهتم إلا بجشعٍ يُثقل كاهل الضعفاء ، فتجد في داخلك شعورًا يختلط بين الأسى والاشمئزاز حين تدرك أن ما حولك هم بشر لكن بلا قلوب يعيشون في مجتمع يتغافل عن هموم بعضهم البعض ويضيعون في زحمة الأنانية وتجارة الألم.

أي مجتمعٍ هذا الذي نتكلم عنه أين هي تلك القيم التي تربينا عليها أين ذهبت تلك القلوب التي كانت تسند الضعيف وتخفف عن المتعب وتساند المحتاج أين ذهبت تلك الروح التي كانت تسري فينا فتجعلنا كجسدٍ واحد تحوّل كل شيء إلى سباقٍ محموم نحو الذات والماده، كأن الرحمة هُزِمت والتراحم ضاع بين أنقاض الجشع كأن الحياة لم تعد تحتمل دفئاً أو معنىً أو حتى ذرة من إنسانية.

وإذ نتأمل هذا الواقع ونتحسر على ما آل إليه المجتمع تتوغل في الروح رغبة شديدة أن نعيد لهذا المجتمع قيمه أن نزرع فيه بذور التعاطف والمحبة أن نجعل الرحمة تاجاً يعتمر قلوبنا أن نعود إلى ما كنا عليه إلى يومٍ كان فيه الجار يسند الجار والتراحم، وكان في المجتمع دفء يغمر الجميع دون استثناء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى