في يوم الأغنية اليمنية

في يوم الأغنية اليمنية، أحاول أن أضع عليها رذاذاً من عطر الفضول، ومسك أيوب، ومن رائحة عبدالباسط، ومن حنين الصريمي.. محاولة، منحتها الإعجاب بصوت فؤاد الكبسي، والرقص على إيقاع فيصل علوي، حيث الهروب من العالم بخطواتها نحو الانتماء والدفء.. كأننا نهرب إلى أنفسنا، إلى ذات القلب الذي أنت فيه، والكيف مع علي بن علي الآنسي، والسفر مع أبو بكر سالم حيث الحنين يمشي على هيئة نغم، والسهر مع الحارثي، حين يكون الليل شبيهاً بالعاشقين، والتأمل مع أحمد فتحي حين يحول العود إلى ضوء، والضحك المختلط بالدمعة مع حسين محب حيث يصلي الصوت نيابة عن القلب،، والتجلي مع عبدالرحمن الحداد، والطواف مع حمود السمى، حيث القيام بمناسك الحب، كأنك تقوم بها لأول مرة على ميقات الحنين، والتغني بالحياة على مقام محمد سعد عبدالله.
الأغنية اليمنية ذاكرة أم علمتني كيف أصحو على طابور الصباح في صوت أيوب، ونضحك من تحت الركام مع القمندان.. ونفخر بكل القناديل المحاطة بخبز أرواحنا.
في كل جدار، صورة، صورة من حق كل شهيد أكد القسم على الفداء وسقى أرض الكفاح دماء، وفي كل جغرافيا يمنية أمل، عاد أيلول كالصباح، وعن كل سؤال إجابة: لينه شتسافر واعندليب.. تذر شبابك ورونقه
لا تغترب دمعي السكيب شلعب بخدي وشحرقه..
في اليمن، تتذكر كيف أن الكلمات كانت حصناً حين فر الساسة، وكيف أن اللحن ظل يربت على كتف الوطن، حين لم تبق يد.
الأغنية اليمنية تشبهنا كثيراً..جميلة رغم الفقر، دافئة رغم التشقق، وصادقة رغم كل هذا الكذب المتراكم فوق رؤوس العاشقين… تشبه الغياب، واللهفة، تشبه الحضور والانتظار، تشبه المكابرة، والغرور، تشبه تفاصيل الكلمات الأخيرة في رسالة الوداع، وتنتمي لدموع العودة.
نغني لنختصر مسافة الحني، لنهرب من غرف القسوة كي لا تتلعثم خطوات رقصنا، إلى صالة الجنون والرغبة.
نغني بلهجة الأحبة، دون شعورنا بالاغتراب، ننتمي لتفاصيل المشاعر، دون التمعن في اللون والطعم، نعيش حباً لا يفهم ولا يشفى منه.
ولو سألني أحدهم: ما هي الأغنية اليمنية؟
لقلت: هي ذلك التداخل العفوي بين خطواتنا حين كنا نسير في الحياة دون خارطة، هي عرقنا حين امتزج لا من التعب، بل من فرط الرغبة في البقاء معاً.
هي الطريقة التي أفتقدك بها دون أن أحتاج إلى لغة، أو مبرر، أو حتى أمل.
إنها الحنين حين يتحول إلى طقس يومي، إلى غياب لا نندب فيه الغائب، بل نرتب له مقعداً بيننا، ونصغي… كأنك لم تقرري الرحيل.