قراءة في “وجه القمر” للكاتبة أوسان العامري: ثلاث عقود من الحكاية بين الحب والخسارة والأمل

انطلاقًا من سيمياء العنوان الذي كانت له وظيفتا الاختصار والتلخيص، ثم كان شادًًا لانتباه القارئ، موحيًا له بما هو آتٍ، وبداية شائقة آسرة لائقة للرواية.
قلَّما تجمع رواية في أسلوبها بين قوة اللغة، وبساطتها، وقربها من شعور القارئ، فاجتمع هذا في سرد ماتع، ووصفٍ رشيق، ودُرّ عتيق، نُسج لنا في رداءً أنيق.
بناء الشخصيات:
بطلها الأجمل صالح… ذلك الصالح اسمًا وفعلًا، ثم قارنتُ بين زوجة صالح المكناة بأم أحمد وأم فهد (حبيبة) الأنانية التي لم تملك من اسمها إلا حبها لنفسها ولمظاهر خادعةٍ دمَّرت بها عائلتها وعائلة صالح قرابة عامين من العمر. ثريا التي كانت تشعُّ نورًا أينما حلت، وأينما غُرِست أزهرت، وكلما أورقت أثمرت.
في أبعاد الرواية:
أعجبني البعد الإنساني البحت، والجمال الأخلاقي الذي نظمته الكاتبة فهنا أبٌ رائع، وهناك أخٌ مشاكس يصير في دقائق أخًا حنونًا، وهنالك زوج صالح تستند عليه رفيقة دربه وهو خير سند، وابنةٌ مطيعة تقر عين والديها بها، ثم أبناء طائعون مهما قست الظروف، وصديقة وفية لا تخون… أسرتني تلك القيم الإنسانية فيهم.
البعد الزمني:
عشقت التكسر الزمني لرواية تحكي ما يقارب ثلاثة عقود من الزمان فتبدأ في ١٩٩٠م لتنتهي في ٢٠١٩م
البعد التاريخي:
الذي وصف عدن وصفًا ساحرًا رسم حبًا راسخًا، تسكن المدينة فيه جوانح أهلها، وتخلد فيهم شبرًا شبرًا، وأجمل تلك الوصوف وصف صيرة: بحرها، جبلها، ارتفاعها.
أحببت البعد الديني الراسخ في الرواية في ووصف لباس النساء المحتشم، ثم دروسًا دينية حياتية نتعلمها بعد كل صعوبة، وكل ابتلاء.
جميلة تلك القصص الصغيرة بين الفصول، فقد كانت نغمًا قسّم الرواية إلى مقطوعات منها: أسيل- اعتراف- حقيقة أم خدعة؟ –
من أنا؟
زخرت الرواية بالمحسنات البديعةالتي جعلت العبارات جزلة،
و جعلتها دروسًا أقفُ عندها، ثم بقيتْ عبارة صالح عالقة في
ذهني وهو يقول لابنه: ألم أقل لك أني أتوسم حلمي فيك؟
هكذا هم – معشر الآباء – يؤجلون أحلامهم ليتوسموها في قرة أعينهم، وفلذات أكبادهم.
قال فريد بعدما أطلق زفرة: مات أبي!
ما أقسى الحياة بعد موت السند والمتَّكئ!
اغتصصت ألمًا لتلك الخيبة التي كسرت مجاهد لمجرد أنه لا يملك وساطة مثل والد عامر، ثم أكمل مسيره، وغيّر مساره، فعاش مجاهدًا، ومات مجاهدًا.
قال فريد متغصصًا طعنة الفراق: ليتها عاشت حياتها دوني كلما اشتقت إليها رأيتها، زفرته المتألمة اخترقت شعوري وهو يقول: بجوار قبرها دفنت قلبي يا صديقي.
ترحل الحياة حين يغيب عنا من نحب. عبارة وداعٍ عميقة من فهد المتخاذل: فأنا خذلتكِ؛ لأن الخذلان أنت سببه، ولا يد لكِ فيه.
تأملتُ عبارةً قالها فريد: تعلمنا أن الرجال لا يبكون، وكررت أم سامر ذات العبارة لاحقًا.
إن كان هذا ما غرسناه في أولادنا فكيف الرجل إن كُسِر ولم يبكِ أن يحزن ويعبِّر عن انكساره ليعاود الوقوف أمام عقبات الحياة وصعابها؟
متى سنصحح هذا المعتقد! وقفت بخاطرٍ مكسور أمام عبارة: على رصيف هذا الوطن تبعثرنا… أما آن لنا أن نلملم بعثراتنا وشتاتنا؟ سنفعلها يومًا وإن كنا اليوم نعجز عن مواساة من تبعثروا.
تذكرتُ وأنا أقرأ الفصل الذي روى حكاية حرب عام ٢٠١٥ ويلات الحرب الطاحنة ونكباتها. سأتوقف ختامًا عند عبارة فهد الذي رأيته – في نظري – جبانًا متخاذلًا: لكل منَّا قصة يعيش أحداثها، هو بطلها، وهو من يرويها، لكنَّ نهايتها حتمية، ليس له يتحكم فيها.
فهد الجبان الضعيف وصف حالنا في قصتنا، لكنني سأختلف معه فنحن إن لم نملك النهاية، فسوف نملك إحسان مواقفنا، إن كانت الحياة أشخاصًا فلن ننكسر لرحيل شخصٍ لن ترحل الحياة بخذلانه أو ذهابه فقد ذهب فهد وجاء سامر، ذهبت سمر فجاءت ثريا. سنتألم لا محالة لكننا سنمضي لنصبح أقوى وأكثر رضا بالأقدار ، وتذكر جيدًا: أنت – فقط – من سيجعل قصته أجمل.






