قراءه نقدية لقصيدة “نحن المدد”بقلم الكاتب والناقد أبو نواف المحياء

• تُعَدُّ قصيدة “نحن المدد” للدكتور مهيب أحمد المجيدي أنشودةً ملحمية تعكس عمق الاعتزاز والافتخار بهوية الأمة وقوتها التي لا تنضب. بأسلوبٍ شعريٍ جزلٍ ومليء بالصور البلاغية القوية، ينقل الشاعر رسالةً ملؤها الإيمان والثقة بالنفس، مستعرضًا أبعاد التاريخ والروحانية والمجد المتجذر في صلب الأمة. تتجلى في الأبيات نبرة الحماسة والشجاعة، مترافقةً مع إشاراتٍ دينية وتاريخية تؤكد على قيم الثبات والإرث المجيد. في هذه القصيدة، يُشعل الشاعر جذوة العزيمة في النفوس، مُبرزًا أن الأمة التي تقف على أسس متينة من العقيدة والإيمان، ستظل دائمًا مصدرًا للمدد والدعم في وجه التحديات.

•تحليل  الأبيات بالتفصيل، مع التركيز على المعاني والصور البلاغية التي استخدمها الشاعر لإبراز روح القوة والفخر والانتماء. القصيدة تنقسم إلى مقاطع، كل منها يساهم في تعزيز الرسالة المركزية، وهي الاعتزاز بالهوية الدينية والوطنية والشجاعة المتأصلة في الأمة.

المقطع الأول: القوة والثبات

“نحن المدد
اللهُ أمددنا الشجاعة والجلد
نحن المدد
ماضرنا مَن قد منع او قد حجد”

يبدأ الشاعر بتكرار جملة “نحن المدد”، والتي تعني العون والدعم الذي لا ينضب، مشيرًا إلى أن هذا العون يأتي من الله الذي أمد الأمة بالشجاعة والصبر. الشاعر هنا يوظف التكرار لتأكيد المعنى وبث الحماس.

استخدام “ما ضرنا من قد منع أو قد حجد” يعبر عن الثقة بالنفس والقدرة على التغلب على الأعداء رغم المحاولات المستمرة لعرقلة الأمة أو إنكار مكانتها.


المقطع الثاني: العراقة والقدم

“مِن قبلِ ما تُرسم حدود
مِن بعدِ ما سادَ الجُحود
في كل شبرٍ مِن ترابِ الارض
تلقانا هناك
متواجدون بلا عدد”

يربط الشاعر وجود الأمة بتاريخ طويل يمتد لما قبل رسم الحدود الجغرافية، مما يشير إلى الأبدية والقدم. عبارة “في كل شبرٍ من تراب الأرض تلقانا هناك” تعني أن الأمة منتشرة في جميع أنحاء الأرض وتظل موجودة رغم التحديات.

“متواجدون بلا عدد” يشير إلى قوة الجماعة وكثرة أفرادها، مما يخلق صورة بلاغية قوية عن الحضور الواسع الذي لا يمكن حصره.


المقطع الثالث: ميدان المعارك والشجاعة

“في كل معركةٍ نصول
للنصرِ زاد
نحنُ المدد”

هنا يُبرز الشاعر روح القتال والشجاعة، حيث يوضح أن الأمة دائمًا مستعدة للنصر في المعارك، وكأنها تتغذى على الانتصارات. استخدام الفعل “نصول” يشير إلى القوة والهجوم، مما يعزز الإحساس بالنصر والقوة.


المقطع الرابع: الطبيعة والأحداث شاهدة

“سل عننا عُمق البحار
سل عننا ظهر الجياد
سل عننا البيداء
ذرات الرمال
ومَن شَهد”

الشاعر يستدعي الطبيعة، مثل “عمق البحار” و”ظهر الجياد”، لتكون شاهدة على قوة الأمة وعظمتها. هنا يستخدم الشاعر أسلوب الاستفهام البلاغي ليحث المستمع على البحث عن الشهادات التي تثبت قوة الأمة في كل مكان.

“ذرات الرمال ومَن شهد” تعني أن أصغر تفاصيل الطبيعة تشهد على مجد الأمة، مما يضفي على النص بعدًا كونيًا شاملاً.


المقطع الخامس: التضحية والشهادة

“سل عننا الاشلاء
في كفِ الغبار
سل عننا نجمَ السحر
في كلِ واد”

هذا المقطع يُظهر الجانب المؤلم للتضحية، حيث يذكر الشاعر “الأشلاء في كف الغبار”، وهي إشارة إلى من ضحوا بأرواحهم في سبيل الكرامة والنصر. مع ذلك، يربط بين التضحية والنور الذي يراه في “نجم السحر”، مما يشير إلى الأمل الذي ينبعث من التضحية.


المقطع السادس: الارتباط بالدين والرسالات السماوية

“نحنُ الذين أُستُخلفوا في الارض
كانوا لنا جدود
الوارثون في التنزيل
في الزبورِ والإنجيل
اللهُ أورثنا الهداية والصمود”

هنا يعزز الشاعر مكانة الأمة كخلفاء في الأرض مستمدين من الرسالات السماوية، مما يؤكد عظمة الأمة وتكليفها بمهمة حمل الرسالة. هذا الربط يعمق معنى الانتماء الديني والتاريخي للأمة.


المقطع السابع: البشارة بالنصر

“جبريلُ جاءَ مبشراً
خيرَ الأنام:
فغنائمٌ في الشام
ومِن خلفك مدد.”

الشاعر يستحضر قصة من السيرة النبوية، حيث جاء جبريل عليه السلام مبشرًا النبي محمد ﷺ بالنصر وبمدد من الله. هذا يعطي القصيدة بعدًا تاريخيًا مقدسًا ويعزز الإيمان بأن النصر قريب وموعود.


المقطع الأخير: الختام بالتأكيد على الصمود

“نحنُ مِن الشدة أشد
نحنُ المدد
نحنُ المدد”

يختم الشاعر القصيدة بتأكيد صمود الأمة وقوتها في مواجهة الشدائد. التكرار هنا يأتي ليوضح أن الأمة قادرة على التحمل وأنها مصدر دائم للدعم والقوة.


تحليل شامل:

القصيدة تأتي كنداء تحفيزي يمجد روح الأمة ويفخر بها، ويظهر فيها البعد الديني والتاريخي بصورة واضحة. استُخدم التكرار في عدة مواضع لإبراز المعاني وتعزيزها، كما لجأ الشاعر إلى أسلوب الاستفهام البلاغي والصور الشعرية المعبرة التي تشمل الطبيعة والتاريخ والإنسان.

• الاستنتاجات
قصيدة “نحن المدد” للدكتور مهيب أحمد المجيدي تفيض بالفخر والاعتزاز والتمسك بالهوية الدينية والوطنية. الأبيات مكتوبة بأسلوب قوي ومؤثر، حيث يظهر فيها الخطاب الحماسي الذي يعبر عن الإيمان والصمود في وجه التحديات.

تتكرر عبارة “نحن المدد” في مستهل كل مقطع لتؤكد الهوية الجماعية والروح التي تتجلى في التضحية والعطاء، وتبعث برسالة واضحة مفادها أن القوة والثبات مستمدان من الإيمان بالله ومن التاريخ الذي يشهد على عراقة الأمة. القصيدة مزجت بين عناصر الطبيعة والأحداث التاريخية (مثل الأوس والخزرج والمسرى والأقصى) لتأكيد أن التاريخ يشهد للبطولة والتفاني.

استخدام الصور الشعرية مثل “سل عننا عمق البحار” و”سل عننا نجمَ السحر” يُظهر امتداد القوة والشجاعة إلى كل ركن من أركان الوجود، مما يعكس عمق التصوير الشعري.

• النص الشعري
(( نحنُ المدد ))

_*كلمات/ د.مهيب احمد المجيدي_*

نحن المدد
اللهُ أمددنا الشجاعة والجلد
نحن المدد
ماضرنا مَن قد منع او قد حجد
نحن المدد
مِن قبلِ ما تُرسم حدود
مِن بعدِ ما سادَ الجُحود
في كل شبرٍ مِن ترابِ الارض
تلقانا هناك
متواجدون بلا عدد
في كل معركةٍ نصول
للنصرِ زاد
نحنُ المدد
سل عننا عُمق البحار
سل عننا ظهر الجياد
سل عننا البيداء
ذرات الرمال
ومَن شَهد
نحن المدد
سل عننا الاشلاء
في كفِ الغبار
سل عننا نجمَ السحر
في كلِ واد
نحنُ المدد
لا تسئل التاريخَ مِن حبرِ القرود
ما ضرنا التسليخ او تلك الحدود
سل عننا المسرى
سل عننا الأقصى
سل عننا الطيار والمدرج
فمن يكون الأوس والخزرج !
نحنُ المدد
نحنُ الذين أُستُخلفوا في الارض
كانوا لنا جدود
الوارثون في التنزيل
في الزبورِ والإنجيل
اللهُ أورثنا الهداية والصمود
و التسامح والجلد
نحنُ المدد
جبريلُ جاءَ مبشراً
خيرَ الأنام:
فغنائمٌ في الشام
ومِن خلفك مدد.
نحنُ المدد
يا أمة التوحيد
يا أمة التسبيح والتمجيد
بُشراكِ فالقِدر أمتلى
مِن بعد ما بلغت
حناجرنا القلوب
والتسائلُ قد علا
متى ؟ متى ؟
نحنُ مِن الشدة أشد
نحنُ المدد ..
نحنُ المدد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى