“قطر غيت”: تحقيق يكشف عن خيوط سرية تهز أركان السياسة الإسرائيلية

لؤي العزعزي:

في تطور لافت، أعادت محكمة إسرائيلية فتح ملف “قطر غيت” المثير للجدل، بعد رفع قيود النشر التي كانت مفروضة عليه. هذا القرار كشف عن تفاصيل جديدة ومقلقة تتعلق باتهامات خطيرة لمساعدين مقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتلقي أموال من دولة قطر. الهدف من هذه الأموال، بحسب التحقيقات، هو تلميع صورة الدوحة إعلاميًا وسياسيًا داخل إسرائيل.

 تشير التحقيقات الأولية إلى أن الأموال القطرية المزعومة تدفقت عبر قنوات معقدة من الوسطاء، بما في ذلك شركات ضغط أمريكية نافذة. في نهاية المطاف، يُزعم أنها وصلت إلى يوناتان أوريخ وإيلي فيلدشتاين، وهما شخصيتان بارزتان في محيط نتنياهو. يواجه الاثنان شبهات خطيرة تتعلق بالرشوة وغسيل الأموال والتواصل غير المصرح به مع جهات أجنبية.

وتكشف تقارير إسرائيلية عن دور محوري لرجل الأعمال الأمريكي جاي فوتليك، المعروف بعلاقاته القوية مع اللوبي القطري. يُزعم أن فوتليك قام بتحويل مبالغ مالية إلى فيلدشتاين مقابل الترويج لرسائل إيجابية عن قطر في وسائل الإعلام الإسرائيلية. كما ظهرت تسجيلات صوتية لرجل الأعمال الإسرائيلي جيل بيرغر، يعترف فيها بتحويل أموال من جماعات ضغط قطرية إلى فيلدشتاين، الذي كان يشغل موقعًا في الجهاز الإعلامي لمكتب رئيس الوزراء.

وفي سياق متصل، تحوم الشبهات حول شركة “بيرسبشن” للاستشارات الإعلامية، المملوكة لأوريخ. يُشتبه في أن الشركة تعاونت مع كيانات قطرية بهدف تقديم الدولة الخليجية كـ “قوة سلام” قبل استضافتها لبطولة كأس العالم 2022، وهو ما نفته الشركة بشدة. مخاوف أمنية من اختراق القرار: لم تتوقف تداعيات الفضيحة عند الجانب المالي، بل امتدت لتشمل مخاوف أمنية حقيقية.

وفقًا لتحقيقات جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”، يُشتبه في تورط أحد المتهمين في الوصول غير المصرح به إلى اجتماعات أمنية سرية. هذا الاختراق الخطير أثار مخاوف جدية بشأن إمكانية تسريب معلومات استخباراتية حساسة لصالح قطر، بما في ذلك وثائق مزيفة نُسبت زورًا إلى يحيى السنوار، زعيم حركة حماس. اتهامات متبادلة وانقسام سياسي: أثارت الفضيحة عاصفة من الانتقادات السياسية الحادة ضد رئيس الوزراء نتنياهو من قبل أحزاب المعارضة.

اتهمته الأخيرة بالمسؤولية المباشرة عن “الاختراق الأمني” الذي وقع في مكتبه. في المقابل، نفى نتنياهو بشدة أي تورط شخصي في القضية، واصفًا التحقيقات بأنها مجرد “مطاردة سياسية” تهدف إلى إضعاف حكومته، خاصة في ظل استمرار محاكمته بتهم فساد سابقة. من جهتها، سارعت قطر إلى نفي أي صلة لها بفضيحة “قطر غيت”، واصفة الاتهامات بأنها جزء من “حملة تشويه” تستهدف سمعتها.

وأكدت الدوحة في الوقت ذاته التزامها بجهود الوساطة الإقليمية. صراع النفوذ الإقليمي: كشفت التحقيقات عن بعد جيوسياسي مهم للقضية، يتمثل في التنافس المحتدم بين قطر ومصر على لعب الدور الرئيسي في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فبينما تُتهم الدوحة بمحاولة تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال التمويل المباشر وغير المباشر، تسعى القاهرة جاهدة للحفاظ على دورها التاريخي في هذا الملف، مدعومة بتأييد دول عربية فاعلة.

لا تزال التحقيقات في هذه القضية الشائكة جارية، لكنها أثارت بالفعل تساؤلات جوهرية:   هل ستنجح التحقيقات في إثبات تورط قطر بشكل مباشر في تمويل مساعدي نتنياهو؟ * ما هو الأثر المحتمل لهذه الفضيحة على مسار المفاوضات الإقليمية، خاصة في ظل استمرار حالة الحرب في قطاع غزة؟ * هل ستؤدي “قطر غيت” إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية القائمة، أم أنها ستكون مجرد “زلزال سياسي” مؤقت؟ خلاصة: تعكس فضيحة “قطر غيت” هشاشة النظام السياسي الإسرائيلي، حيث تتداخل المصالح السياسية الضيقة مع الأجندات الأمنية الحساسة. كما تكشف عن مدى سهولة اختراق الدوائر المقربة من السلطة وتحويلها إلى ساحة لصراعات النفوذ الخارجي. وبينما يترقب العالم نتائج التحقيقات وتداعيات هذه الفضيحة، تبقى الحقيقة واضحة: في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، حيث تتشابك التحالفات والعداوات بشكل معقد، يمكن للمال أن يتحول إلى سلاح فعال قادر على تغيير موازين القوى بين ليلة وضحاها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى