كاميرا خفية في سوق السمك

لم أكن أعلم أن الصباح سيبدأ بجريـ،ـمة يعاقب عليها القانون… أو بالأحرى، بجـ.ـريمة لا أعرف حتى الآن تفاصيلها!
في ذلك اليوم خرجت برفقة صديقي المغترب الذي عاد من السعودية بعد سنوات من الغربة، وكان متحمسًا لاكتشاف عدن، ارتديت ثوبًا جديدًا كان قد أهداه لي،، وشعرنا كأننا سائحان يتجولان في الشيخ عثمان لأول مرة، دخلنا سوق الحناء تناولنا “الثريب” تسللنا عبر الأزقة الضيقة ثم قررنا اختتام جولتنا في سوق السمك.
كنت أمشي وسط الزحام بينما صديقي يتأمل الحياة العدنية بعينين مفعمتين بالدهشة، فجأة! امتدت أمامي قدم ضخمة، بحجم قدمي مرتين، لا أدري كيف سارت الأمور، لكنني وجدت قدمي تهبط مباشرة على ضمادة طبية في منتصف تلك القدم العملاقة، لا تسألني كيف،لكن هذا ما حدث..
وقبل أن أستوعب الموقف، انفجر الرجل الأربعيني، الذي يشبه مصارعًا متقاعدًا، في وجهي
“جرحت العملية يا اللي ما تشوف”
يا إلهي أي عملية؟ وكيف جرحتها؟ أنا بالكاد لمستها، ولو كانت العملية قد أجريت منذ خمس دقائق فالمفترض أن تكون في المستشفى لا في سوق السمك.
تراجعت بخطوات مرتعشة وحاولت حل الأزمة بجملة دبلوماسية
“آسف يا والد”
لكن يبدو أن كلمة (آسف) كان لها مفعول معاكس تمامًا فقد زاد الطين بلة،، رمى كيس السمك الذي يحمله، أمسك عكازه وصرخ:
“إيش معنى آسف أقول لك جرحت العملية”
بدأ الناس يتجمعون وأخذت أتساءل هل هذه آخر لحظاتي على قيد الحياة؟ هل ستكون آخر صورة لي مع رجل ضخم متعرق يلوح بعكاز في وجهي؟
حاولت التراجع، لكنه حاصرني قرب مفرش بمحاذاة الشارع، بينما خمسة رجال يحاولون تهدئته لكن بدلاً من أن يهدأ انفلت منهم وانقض نحوي وكأنها مباراة ملاكمة غير متكافئة
وهنا، تدخل صديقي المغترب محاولًا انقاذي
“يا عمي نحن مستعدين نعوضك بأي شيء حتى بسلة سمك”
لكن الرجل لم يكن مهتمًا بالسمك بل كان مهتمًا بي كأنني الغداء الوحيد المتاح له اليوم.
في اللحظة الحاسمة قررت أن أفضل حل هو الهرب، أفلت نفسي من الرجال الخمسة وانطلقت بأقصى سرعة. اصطدمت بعابر سبيل، سقطتُ، نهضت، واصلت الجري سقط حذائي تركته،، لم يكن لدي وقت للأحذية.
لكن يبدو أن العدالة في سوق السمك لا تعرف الهروب، أمسك بي ثلاثة رجال عند طرف الشارع، ليصل الرجل العملاق والناس خلفه قال أحدهم، وكأنه قاض في محكمة
“اتركوه خلوه يأخذ حقه بيده”
اقترب الرجل رفع قبضته وأنا أودع الحياة، لكن بدلًا من أن يضربني، انفجر بضحكة مدوية تبعه الجميع في ضحك هستيري.
ثم وضع يده الضخمة على كتفي وأشار نحو أحد الأزقة وقال ضاحكا
“معك الكاميرا الخفية يا ابني”
أجل كان هذا مقلبًا يوميًا يمارسه الرجل في السوق، ضحكت معهم، ولكن ضحكتي كانت ضحكة رجل نجا من موت من مسافة الصفر
وعندما قرر تهدئتي فعل شيئا أسوأ من اللكمة أمسك رأسي ودسّه في إبطه المتعرق..عندها أدركت أن السؤال الحقيقي ليس لماذا فعل هذا بل هل كانت هذه الحركة جزءًا من سيناريو المقلب؟
خرجت من الشيخ عثمان بلا حذاء، بثوب تغير لونه، وبذاكرة لن أنساها، ورائحة لن تتركني أبدًا.