كتب الدكتور أمين عبدالخالق العليمي .. الطريق حقٌ للجميع

مع نسمات كل صباح جميل، تبدأ الحكاية، حكاية كل صباح نخطو فيه خطواتنا الأولى نحو الحياة تلك اللحظات التي يغادر فيها الإنسان منزله، حيث تلتقي أحلامه الصغيرة بمطبات الواقع الكبيرة، فيتحول الطريق إلى مسرحٍ يعجّ بالمفاجآت ، سيارات تسرع كأنها في سباق مع الوقت، شاحنات كبيره تزمجر وكأنها تفرض قانونها الخاص، وسائقها يجهل انه يقود شاحنة ويمشي وكانه يقود موتور، ودراجات نارية تتسلل بين المركبات كأنها أشباح تحاول الهروب من قبضة الزمان.

تسير مضطربًا بين مشاهد فوضوية كأنك في فيلم درامي، تعجز عن فهم نهايته، هنا سائق غاضب يطلق بوق سيارته كأنه ينذر بقيام القيامة، وهناك آخر يقود بلا مبالاة، عيناه في هاتفه بدلاً من الطريق، وكأن أرواح الناس لا تعني له شيئاً، وهناك طقم الدوله حامي الحمي يقف وسط الطريق، بسائق مستهتر يفتقر لمعاني المسؤولية وينسي أنه رجل دوله أو رجل أمن يجب أن يكون قدوه، ويُطبّع علاقته بالمواطن لا أن يقف متحديًا له ولكل معاني الذوق والأخلاق والنظام والقانون الذي هو جزاءً منه، وعلى الرصيف، يقف طفلٌ يحدق بعينيه البريئتين، منتظرًا أن تهدأ عاصفة الحديد ليعبر بسلام.

تخيل لو أنّ الطريق مكانٌ يجمعنا لا يفرقنا، تخيل لو أن السائق الذي يتجاوزك بلا مبالاة توقف لحظة ليفكر: هل أنا أعبر طريقي أم أسلب الآخرين حقهم في الطريق؟

تخيل لو أن الزحام أصبح مساحة للتأمل بدلاً من ساحه للصراع.

لكننا، للأسف، نصنع من الطرقات عوالم صغيرة للفوضى، كلٌ يسير وكأن الكون يدور حوله وهو قصة الكون ومداره الوحيد، وكأننا نسينا أننا جميعًا شركاء في هذه الرحلة.

شركاء في المصير.

شركاء في الأمل.

الطريق ليس معركة لإثبات القوة، بل فرصة لبناء جسورٍ من الإحترام والود ، والتفاهم ، وإبراز ثقافتنا كشعب إما متحضر أو متخلف.

في لحظة تأمل، ترى نفسك جالسًا خلف مقود سيارتك، تتساءل:

لماذا كل هذا الغضب؟

لماذا أطلق كلمات جارحة كالرصاص؟

لماذا لا اعطي الطريق حقه؟

ثم يخطر ببالك مشهد بسيط بصوره أخري شئ من الجمال: رجلٌ يترك لك الطريق بابتسامة، أو آخر يساعد عجوزًا أو طفلًا ، أو كفيف على عبور الشارع، أليس هذا ما نحتاجه؟ لمسة من الذوق، جرعة من الإنسانية، واحترام مشترك ومتبادل يجعل حياتنا أجمل.

تخيل سيناريو مختلفًا:

شوارع هادئة، ناس متعاونه تتسابق لإسعاد الآخرين، أصوات طيور تحلق فوق الأشجار بدلاً من ضجيج الأبواق، وسائقون يتبادلون التحية بدلاً من الشتائم، في هذا العالم المثالي، نتعلم أن حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

نتعلم أن الطريق ليس مجرد مساحة تعبرها، بل مساحة تعيشها، وتترك فيها أثرًا طيبًا.

فلنجعل من السير على الطرقات درسًا في التعايش.

لنجعل من القيادة فنًّا يعبّر عن أخلاقنا.

لنعش في سلامٍ مع أنفسنا ومع الآخرين، بعيدًا عن الفوضى والغضب.

“لا تغضب” صدق رسول الله صل الله عليه وسلم.

وعندما نصل إلى هذا اليوم، سنكتشف أن الطريق ليس مجرد وسيلة انتقال، بل رحلة نحو بناء عالم أفضل، يبدأ من احترامنا لبعضنا البعض وينتهي بابتسامة تُضيء دروب الجميع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى