الأكثر رواجًا
كتب د. أمين عبدالخالق العليمي: الصداقة في كلمات

الصداقة ليست مجرد علاقة عابرة أو تعارف عابر بين شخصين، بل هي نسيج متين من الوفاء والتضحية، وحين تتشابك خيوطها بشكل مثالي، تصبح مرآة للإنسانية في أبهى صورها، الوفاء هو قلب الصداقة النابض؛ ينبض بتلك اللحظات الصادقة التي لا تُشترى ولا تُباع، هو اليد التي تمسك بك في عتمة الطريق، والعين التي ترى فيك ما لا يراه الآخرون، لكن هل كل وفاء يُجازى بوفاء؟
التضحية تأتي هنا، تضحية بالصمت حين يكون الكلام جارحاً والتجاهل والصمت اشد ايلاماً، وبالحضور حين يكون الغياب مريحاً، وبالإيثار حين تكون الأنانية أسهل، التضحية هي اختبار النوايا والقلوب، حيث لا مكان للمصالح الشخصية،
ثم يأتي الفداء، وهو أرقى مراتب الصداقة، حين تصبح مستعداً لأن تهب جزءاً منك لأجل الصداقه، لكن هل هناك من يستحق؟ وهل كل صديق يفدي؟ أم أن الفداء أصبح مجرد كلمة نتغنى بها دون أن نؤمن بها حقاً، وفي الحقيقه هي جزاء من النص مفقود؟
وهناك وجه آخر للصداقه مظلم: الضياع، ضياع الثقة، ضياع المعاني، وضياع الذكريات، كيف تضيع صداقة بُنيت على مدار سنوات؟ أهي خيانة اللحظة، أم خذلان طويل الأمد؟ ام تقلبات الدهر؟
الخذلان هو السم الذي ينساب في شرايين الصداقة ليقتلها ببطء، أن تُطعن من الخلف وأنت تسير مطمئناً بجانب من كنت تظنهم أمانك، الخذلان هو القسوة المغلفة بابتسامة زائفة، ومراقبة صديقك من بعيد، دون معني لوجودك منتظراً ان يذبل او ينتهي، مستمتع بالألم الذي ينحت قلبه دون أن تراه، لكنه يراك،
رغم هذا كله، هناك اكتمال، نعم، الصداقة حين تُختبر وتنجو من الخذلان، تصبح كمالاً نادراً، ذلك الكمال الذي لا يحتاج إلى إثبات، بل هو شعور بالراحة في وجود الآخر، كأنكما قطعتما شوطاً طويلاً، وعُدتما سالمين،
ومع كل هذا، يبقى التساؤل: هل نستحق هذا الكمال؟ أم أن الكمال وهم نطارده ولا نجده؟ وهل نحن قادرون على أن نكون أوفياء حقاً، مضحين بصدق، ومستعدين للفداء، أم أن الصداقة اليوم باتت تجارة؟
الصداقة في كلمات: هي معركة بين الأمل واليأس، بين الوفاء والخذلان، بين التضحية والضياع. كلمات تكتبها الأيام، وبعضها يظل ناقصاً، لأن الكمال ليس مكتوباً لنا دائماً،
بارك الله في الصداقات الحقيقية التي تظل رغم العواصف، وحفظنا من خيانة من وثقنا بهم، ومنحنا قلوباً تعرف كيف تفرق بين الصديق الحقيقي وزيف الابتسامات .