كتب صلاح الحقب: حسرة

أي شيء مقيت يحاول هذا الواقع أن يجعلني إياه؟! لم أعد أتذكر متى كانت آخر مرة قرأت فيها كتاباً! متى كانت آخر مرة استمعت لأغنية حتى نهايتها؟ كأن شيئاً ما كتم أنفاسها وسرق مني متعة التذوق وقيمة الإحساس.
متى كانت آخر مرة كتبت عن وجعي وما أنا عليه بكل إخفاقاتي؟
ليست المأساة في هذا الوجع الذي أعيشه بكامل ثقله وجموده، بل المأساة في عجزي عن كتابته كما ينبغي.
كيف تمضي الأيام دون أن تترك شيئاً ثميناً يستحق الكفاح؟ مأساة الأيام قدر محتوم أعيشه في كل آن. كلما نظرت في مرآة الوقت، رأيت الحسرة ولا شيء غيرها.
الكتابة التي كانت ملاذاً أصبحت قيداً خانقاً للروح، إن أُفلتت منه ضاعت في متاهات لا حدود لها! لم تعد تسعف الروح بقدر ما تعذبها بالفكرة التي تُقتل في مهدها. فيا لعذاب روحي من هذا العجز!
يعذبني هذا الواقع المشوه؛ إنه لا يكتفي بقتل كل ما يبدو لي جميلاً، بل يدفعني نحو هاوية سوداء لا نهاية لها غير الهلاك.
تتسرب الجهالة من حولي فتثقلني بالأسى. كل زاوية في هذا البلد يحكمها خوف متجبر يقتحم هذه الروح المتعبة. أفكر بالهروب بعيداً، ولكن هذا أقسى من البقاء والاستسلام المرير.
هذا الواقع يتفوق بقدرته على خلق وحش فاتك داخل كل إنسان، بارع جداً في انتزاع كل أحلامه، متمرس جداً على قمعه وإذلاله إن لم يكن جباناً صامتاً. أينما ذهبت في هذا البلد ستجد نفسك مقهوراً، والأيام تسرق منك عمرك وما كنت عليه قبل هذا الخذلان. ترمي بك في أرض يباب لا تنبت فيها فكرة ولا يزهر بها حلم. تراقب نفسك وأنت تتلاشى رويداً رويداً كشجرة علقت جذورها في الهواء فجفت. هكذا باتت حياتنا، وهذا حظنا.
قد لا أكون وحدي من يعيش هذه الفجوة بينه وبين كل ما كان يعني له حياةً ونجاةً وملاذاً. الكثير، إن لم يكن الجميع، يمضي في حياته كمن يضع خطواته على ضباب كثيف يعتم كل شيء أمامه. يلتف حولنا الفراغ ويتملكنا أيما تملك.
لا هدف نمضي إليه سوى الخلاص…