كتب فتحي أبو النصر.. جلال الصلاحي روائيا

فتحي أبو النصر:
يميل البعض أحيانا إلى إطلاق الأحكام المسبقة على الأشخاص أو الأعمال الإبداعية، خاصة عندما تتغذى تلك الأحكام من أطراف تحركها خلافات سياسية أو فكرية، ما يؤدي إلى تكوين صورة غير موضوعية. وهذا بالضبط ما حصل مع رواية محاولة للكاتب الساخر جلال الصلاحي؛ فقد تم استقبالها بأحكام مسبقة دون قراءتها من منظور نقدي بحت، بل انطلقت الآراء السلبية من تصورات شخصية تجاه الكاتب ذاته، تبنتها بعض الجهات ذات التوجهات الدينية.!
المفاجأة أن من وجهوا هذه الانتقادات السلبية هم من المثقفين والناشطين، أي من يفترض أن يكونوا أكثر حيادية في تقبل الأفكار الجديدة. إلا أن تعاملهم مع الرواية كان انعكاسا لأيديولوجيات دينية تقودهم إلى إطلاق الأحكام المسبقة دون أي تفكير عميق، مما جعل موقفهم يبدو وكأنه امتداد لقطيع فكري يردد ما يملى عليه.
وأما جلال الصلاحي، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، يبقى صوتا جمهوريا نبيلا، يتميز بأسلوبه الساخر الفريد، الذي لا يملك إلا أن يعبر عن شخصيته الصادقة والقوية. ومن حقه، كغيره ، أن يظهر الروائي المدفون بداخله إلى العلن، مادام يكتب بصدق. الكتابة ليست مجرد وسيلة تعبير، بل هي حق شرعي لكل من يمتلك الفكرة والموهبة.
تربطني علاقة تاريخية خاصة بجلال، وأذكر لقاء جمعنا مصادفة في القاهرة ذات عيد، حيث التقينا في مطعم يمني. كانت لحظة استذكار لقصيدتي المكثفة “خطوط كفك طريقي فخبئيني تحت لسانك” من مجموعتي الثانية “موسيقى طعنتني من الخلف”، الصادرة عام 2008.. كان جلال الصلاحي يردد تلك القصيدة المختزلة طيلة الساعة التي جمعتنا..كان لهذا اللقاء أثر عميق، فقد أبرز مشاعر الصداقة والاحترام المتبادل بيننا، وأعاد لي ذكريات القصيدة التي كتبتها من أعماقي.
في النهاية، جلال الصلاحي لن يكون مجرد كاتب عابر أو صاحب سخرية لاذعة،وتلك ثقتي ، بل سيكون هو الصوت الذي سيحاول تجسيد الحرية الأدبية، ليمثل جزءا من النسيج الأدبي اليمني الذي يوحد الشمال والجنوب، ويعبر عن ضمير الشعب اليمني المتعطش للحرية. روايته كما أتمنى أن تنال في جوهرها، دعوة مفتوحة للنقد الأدبي الحقيقي بعيدا عن التحيزات والتوجهات الدينية أو السياسية.
لقد آن الأوان لأن نتعامل مع الأدب بأمانة، ونترك النصوص الإبداعية تتحدث بنفسها. نحن في حاجة إلى أصوات شجاعة، مثل جلال الصلاحي، تحرك قلوب اليمنيين وتدفعهم للتفكير، بعيدا عن قيود الأحكام المسبقة، وترسم لهم طريقا نحو الوحدة، وتذكرهم بأن الحرف الحر لا يموت.
مبروك مبروك مبروك يا صاحبي التاريخي ودائما الروائى جلال الصلاحي.
