كهرباء عدن: صرخة مدينة تحت وطأة الفساد وحرقة الشمس وحرارة الجو!

رواها 360

أماني باخريبة

​يا للمفارقة القاسية! أن تكون مدينة عدن التي شهدت إضاءة أول محطة كهرباء في الشرق الأوسط عام 1926 تعيش اليوم في ظلام دامس تحت لهيب الصيف وعتمة اليأس.

كيف وصلت عدن التاريخ إلى هذا الدرك من المعاناة والانقطاع التام للكهرباء يلسع مواطنيها لأيام متواصلة؟

​مشكلة كهرباء عدن ليست مجرد أزمة خدمات عابرة بل هي قصة مأساوية تتشابك فيها خيوط الإهمال والفساد واستغلال النفوذ لتصبح إهانة ممنهجة لمدينة كاملة ولسكانها الصابرين.
​قرأتُ التقارير وتأملت الأرقام فكانت الصدمة مضاعفة.

عندما تدرك أن قطاع الكهرباء يستنزف ما لا يقل عن 40% من موازنة الدولة وقد يصل إلى 80% وفق تقديرات سابقة ثم تعلم أن هذا الإنفاق الهائل لا يقابله ضوء مستمر، بل ظلام خانق تتيقن حينها أن الخلل ليس في نقص الموارد بل في مكان آخر أشد خطورة.

​السبب الجذري ليس عجزًا بل فساد ممنهج:

​التقرير البرلماني كشف المستور بوضوح لا يقبل التأويل: ميزانية الكهرباء لعام 2023 بلغت 569 مليار ريال، ذهبت 98% منها لمستحقات موردي الوقود وقطع الغيار دون فلس واحد لمشاريع تحل الأزمة هذه الأرقام تصرخ: الأزمة ليست نقصًا في الموارد بل سوء إدارة بل عربدة فساد.

​كيف يمكن تفسير أن الحكومة تنفق مليار دولار سنويًا على كهرباء المحافظات الجنوبية عبر سبع شركات خاصة لشراء الوقود وتعتمد بشكل رئيسي على الطاقة المشتراة من شركات مملوكة لنافذين في المجلس الرئاسي؟

​الموضوع الأكثر رعبًا هو وقود الكهرباء
أن يذهب 70% من العملة الأجنبية للبلاد لشراء الوقود، وأن يظهر فجأة تجار جدد يسيطرون على سوق التوريد بعقود تفوق أسعار السوق بمئات الملايين من الدولارات فهذا ليس سوقًا حرًا بل بؤرة كسب غير مشروع. أن تشترى شحنة من الوقود بـ 1255 دولارًا للطن المتري بينما قيمته الحقيقية 400 دولار فقط فهذا فارق يبلغ أكثر من 100% يذهب مباشرة إلى جيوب الأصدقاء والمقربين وبأوامر مباشرة تتم دون مناقصات!

​هذا يكشف أن مشكلة الكهرباء ليست فنّية بل مالية وسياسية بامتياز إنها أداة لتمويل شبكة من النفوذ والفساد تتقاسم كعكة الدعم الحكومي الضخمة طالما بقيت هذه الشبكة قوية ووقود الكهرباء هو المنجم الذهبي لها فلن يُسمح للكهرباء أن تستقر، لأن استقرارها يعني إغلاق صنبور الكسب غير المشروع.

هناك ايضا ​قدرات معطّلة وشبكة متهالكة:
​يضاف إلى ذلك الشق الفني المهمل حوالي 250 ميجاوات من محطات ضخمة كالرئيس الغازية والحسوة معطّلة بسبب نقص الوقود أو الصيانة. كيف يعقل أن تصرف مليارات على وقود الشراء ويهمل وقود محطاتنا الكبيرة؟ لأن وقود الشراء هو بؤرة الكسب أما تشغيل المحطات الحكومية فهو حل لا يخدم جيوب النافذين.

​فاقد شبكة ضخم شبكة التوزيع فقدت 44% من الكهرباء عام 2023، مقارنة بـ 20% قبل 2015. هذا الفاقد يترجم إلى خسائر مالية تفوق 100 مليون دولار في عام واحد وهو دليل صارخ على تدمير ممنهج للبنية التحتية وغياب الصيانة والتطوير.

​السبب الحقيقي وراء استمرار أزمة كهرباء عدن وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على حلها يكمن في نقطة واحدة وهي تضارب المصالح بين متطلبات الدولة ومصالح النافذين.

​مشكلة كهرباء عدن ليست عجزًا حكوميًا بل رفض حزبي ومصلحي للحل. هي أزمة تحولت إلى بقرة حلوب للمجلس الرئاسي وقياداته العسكرية والسياسية والتجارية التي تملك شركات توريد الوقود وشراء الطاقة. بالنسبة لهم استمرار الأزمة هو استمرار لتدفق العملة الصعبة إلى حساباتهم الخاصة تحت غطاء دعم الكهرباء.

​عندما تخرج الاحتجاجات الشعبية الغاضبة وتقابل بمدرعات وقوات تطلق النار تكتمل صورة الأزمة: إنها ليست أزمة خدمات بل صراع سلطة ونفوذ على موارد الدولة. الحل كما أشارت التنسيقية المدنية لا يكمن في مجرد توفير شحنة عاجلة بل في:
​المساءلة ومواجهة الفساد بل بفتح ملفات الفساد ومحاسبة المتورطين علانية.

​فصل قطاع الكهرباء عن نفوذ تجار الحرب والسياسة وتفعيل لجان المناقصات الحقيقية.

إعادة تأهيل وتشغيل المحطات الحكومية الكبرى كبديل للطاقة المشتراة.

​حتى يحدث ذلك، ستبقى عدن تتلظى تحت حرارة الشمس ومعاناة الظلام وستبقى صرختها مدوية: هل ستظل مدينة النور سجينًا لفساد لم يعد يخشى حتى من الكشف العلني؟ نتمنى أن ينفجر الوضع ليس بالاحتجاجات وحدها بل بقرار شجاع يضع مصلحة المدينة والمواطن فوق مصالح النافذين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى