لماذا يواصل الحوثيون عملياتهم ويطلقون صواريخهم تجاه إسرائيل؟

هناك أسباب عديدة يمكن سوقها لتفسير أداء الجماعة الحوثية في هذه الفترة، رغم إدراكها لتبعات أفعالها وفارق القدرات. بعض هذه الدوافع ذاتية وفق حسابات حوثية محلية أو على الأكثر حوثية سعودية، وهناك ما هو خارج عن إرادة الجماعة التي وضعت نفسها وظيفيًا في خدمة المحور الإيراني.
ربما أنطلق من النقطة الأخيرة قبل التطرق إلى المنطلقات الذاتية للجماعة الحوثية في منشور لاحق. فالعراق واليمن هما آخر أذرع إيران ودرعها الخارجي لتجنب الضربات أو الدخول في حرب مباشرة سواء مع أمريكا أو إسرائيل أو كليهما.
- قاهرة تعز رغم التحديات وعذوبة الحنين تستعيد نبضها وحيوتها17 يونيو، 2025
امتنع العراق عن التصعيد ظاهريًا، إما بسبب المعادلة السياسية الراهنة الناتجة عن عدم التوصل إلى تفاهم حول السياسة الخارجية، أو لأن الكلفة الداخلية أكبر من أن تتحملها ميليشيات إيران أو أجنحتها السياسية في العراق. لذا أبدى العراق حصافة لمحاولة تجنب الخراب، مع أنه متصل مباشرة بسوريا، وهو حلقة الوصل بين إيران وأذرعها نحو المتوسط.
جغرافيًا ولوجستيًا، العراق يتمتع بدرجة أعلى من الأهمية بالنسبة للتصور الإمبراطوري الإيراني في المنطقة. وقد لا يكون امتناع العراق عن الزج بنفسه سوى تأجيل مقابل الاعتماد على إشراك ميدان أبعد.
هذا الميدان الأبعد هو المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وبما أن ي هي جماعة بلا مسؤولية وطنية، فإنها تؤدي دورها الوظيفي في حماية إيران. اللبوس الأخلاقية التي تتدثر بها الجماعة قابلة للنقاش وهي من صميم الفعل السياسي.
في الواقع، تحتاج إيران إلى من يشتت أنظار العالم في هذه المرحلة نحو زاوية أخرى بعيدة منها لتعجّل من استكمال مشروعها النووي وصولًا إلى تحقيق الردع النووي قبل فوات الأوان.
خبراء المنشآت النووية يدركون أن الوصول إلى قدرات نووية عسكرية يسير وفق متوالية هندسية وليس عددية. أي أن هناك نقطة يصبح الانطلاق بعدها إلى امتلاك سلاح نووي أقصر بكثير من كل المراحل السابقة، وربما وصلت إيران إلى هذه النقطة. وهي الآن بحاجة ماسة إلى السلاح النووي، ليس لنفوذ إمبراطوري فقط، وإنما لحاجة وجودية في المقام الأول.
لكن لماذا اليمن أولًا وليس العراق؟
لأن ذراع إيران في اليمن أقل مبالاة من الجماعات الأخرى وغير معني ببناء توافقات محلية طالما أن الجماعة الحوثية تتسيد نطاقًا جغرافيًا جعلته مسطحًا سياسيًا وأيديولوجيًا، ولديها استعداد لرهن كامل الكتلة السكانية التي تحكمها من أجل الفوز برهان أيديولوجي.
لكن عمليًا، إذا كان الرد القادم يقتصر على ضربات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية، فإنها ستكون تغذية غير مقصودة للجماعة برصيد وشعبية خارجية وداخلية. فضلًا عن ذلك، يركن الحوثيون إلى حقائق ميدانية منها محدودية إمكانية شن حملة عسكرية إسرائيلية أو أمريكية مماثلة لما حصل مع حزب الله.
مساحة ما يسيطر عليه الحوثيون تزيد عشرات الأضعاف عن مساحة لبنان. كما أن الجماعة الحوثية لم تكن هدفًا لرصد دقيق من إسرائيل كما كان حزب الله منذ 2006. أي أن الجماعة تعتقد أن الوقت والمكان في صالحها.
لكن للمضي في هذا الخيار، يتوجب على الجماعة حسم موقفها الداخلي، ولهذا قد يتصدر المشهد عناصر أكثر ولاءً للمحور الإيراني. وقد يُشعل هذا صراعات داخلية شاع خبرها مؤخرًا، لكنها ليست بمكان أن تشق صف الجماعة، بل هي صراعات أجنحة تحت السيطرة، في ظل وجود آلية تراتبية ضمنت تماسك الجماعة منذ فترة طويلة.
وإلى حلقة تالية تتناول الأسباب الذاتية.
شارك هذا الموضوع:
- انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة) فيس بوك
- اضغط لتشارك على LinkedIn (فتح في نافذة جديدة) LinkedIn
- انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة) WhatsApp
- اضغط للمشاركة على Tumblr (فتح في نافذة جديدة) Tumblr
- اضغط للمشاركة على Pocket (فتح في نافذة جديدة) Pocket
- انقر للمشاركة على سلاسل (فتح في نافذة جديدة) سلاسل