“ما بين نبضين.. يختلف الزمن” 

صلاح الحقب :

يمرّ المحبّون أمامي في الساحل، أمعن في الوقت متقمّصاً طبيعتهما في حياة اللحظة التي يعيشانها في القرب. كيف يتخطّاهم الوقت وهم يأملون كثيراً لو أن الزمن يتوقف، فتطول الأحاديث، ويغنم كل واحد منهما بهجة يخلقها الود بلقاء طويل؟

الوقت يعدو سريعاً عند لقاء المحبّين، ويمضي ببطء شديد حين تتسع المسافة بينهما، ويُقال: “إنّ لحظة من اللقاء تساوي دهراً من الغياب”.

لعلّها تقديرات يُسعف بها الإنسان نفسه بغبطة الحضور، كما لو أنّه ينسى ما قاساه في البُعد.

لكن الحقيقة أن لحظة واحدة فقط من الغياب تحتاج دهراً طويلاً من القرب؛ فالتوق يجعل من اللقاء الأبدي غايةً يتعافى بها القلب من عذاب لحظة واحدة فقط من لحظات الفقد الموحش.

ثمّة عائلة هنا يبدو أنها انتظرت مرور الوقت منذ ساعة الأصيل وحتى منتصف الليل.

ذلك الجدّ يراقب ساعته، ومثله فتاتان وأمّ وبعض أفراد العائلة.

دقّت الساعة الثانية عشرة، هتف الجميع بغناء وصراخ، ثم أُشعلت الشموع.

إنها أولى لحظات عام جديد من ميلاد فتاة صغيرة.

الجميع يحتفي بها ويغنّي. أراقبهم وأسأل نفسي: هل الوقت الذي يمرّ بهذا الثقل عندي هو الوقت ذاته الذي يمر عندهم؟

الوقت هو نفسه، إنّما يتبدل وفقا لطبيعة الذات التي تعيشه ووفقا لحالها.

فأنا المثقل بالوحدة، أنتظر انقضاءه كي يتقلّص عمر الغياب، وأتمنى لو يمضي دون هذا البطء.

أما هذه العائلة المحفوفة بالقرب، فهم سعداء حدّ الترف، ولا شكّ أنهم يشعرون أن وقتهم يمضي سريعاً.

تنفّسوا الفجر، ورأوا تباشير الصباح من أول الضوء، وهم لم يفرغوا بعد من التقاط الصور.

يستطيع الإنسان أن يدرك وجوها مختلفة للوقت، إذ أن ما نحمله في قلوبنا هو ما يصوغ سرعته أو ثقله، فبين من يحتفي بلحظة من القرب، ومن يترقب نهاية غياب، تختلف الأزمنة في شعورنا بها وما تحدثه في ذواتنا، لا في مرورها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى