مشكلة المياه بين تعز والكلائبة

عبدالله حمدين:

مشكلة المياه في تعز مشكلة قديمة وليست وليدة اليوم، فمنذ سنوات بعيدة والمدينة تعيش أزمة مياه حادة وتعاني من شحٍّ ونقص في كميات المياه اللازمة للاستخدام اليومي.

إن آبار المياه الموجودة في تعز لا تغطي كل احتياجات المدينة من المياه، ولذلك اعتمد سكان المدينة على منطقة الضباب لسد الفجوة بين كمية احتياجهم من الماء وبين ما هو موجود فعلاً، والذي يصل إلى المنازل عبر شبكة مياه مهترئة تؤدي إلى هدر كميات كبيرة من المياه لتغذي شوارع المدينة بدلًا من المنازل.

مقالات ذات صلة

إن القول بأن مشكلة المياه مفتعلة هو قول زائف وغير واقعي، والغرض منه توجيه الأنظار بعيدًا عن المشكلة الحقيقية، وربما من باب المناكفات السياسية والحزبية. ومن يتبنى هذه الفكرة، أعتقد أنه لا يفهم مشكلة المياه في تعز.

أتذكر أن فكرة إنشاء محطة تحلية في المخا هي فكرة قديمة، حيث كانت هناك خطة لإنشاء محطة تحلية على البحر الأحمر بقدرة مائة ألف متر مكعب يوميًا إلى تعز، مع خط أنابيب إضافي لنقل مائة وخمسين ألف متر مكعب إلى إب. وقد تم البدء بتركيب الأنابيب الضخمة لنقل المياه، ولكن بسبب عدم الاستقرار المالي والسياسي توقف المشروع.

هناك عوامل ساهمت في زيادة تفاقم مشكلة المياه في مدينة تعز وظهورها إلى العلن بهذا الشكل المخيف، ومن هذه العوامل:

١- سيطرة الحوثيين على معظم الآبار التي كانت تغذي المدينة بالمياه قبل الحرب.

٢- شح وتذبذب مياه الأمطار الموسمية، مما أدى إلى نقص منسوب المياه في الآبار الارتوازية واليدوية أيضًا، وقلة ضخ المياه.

٣- انخفاض منسوب المياه في منطقة الضباب بسبب كميات الضخ إلى المدينة عبر وايتات الماء، والخوف من تناقص منسوب المياه بشكل أكبر، ما أدى إلى تقنين كميات الضخ إلى مدينة تعز.

٤- ارتفاع أسعار وايتات الماء بشكل جنوني، وذلك بسبب تدهور الريال مقابل العملات الأخرى وارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

٥- عدم الاستغلال الأمثل لمياه الأمطار، مثل إقامة السدود والحواجز المائية لتغذية المياه الجوفية.

أستطيع القول إن كل القيادات التي تناوبت على إدارة المحافظة منذ فترة “عفاش” وحتى اليوم على علم ودراية كاملة بمشكلة المياه، حتى القيادات الحزبية والسياسية أيضًا على اطلاع بهذا الأمر، لكن معاناة واحتياجات أبناء تعز ليست من أولويات عمل هذه القيادات، حيث عملت هذه القيادات على مراكمة أرصدتها من عرق الفقراء والغلابى عبر منظومة الفساد التي ما تزال تعمل حتى اليوم بكل حقارة دون رقيب أو حسيب. وآخر تقليعة فساد هي ما تناقلته وسائل الإعلام بشأن تأجير شبكة الكهرباء الحكومية في تعز للقطاع الخاص.

لقد شددت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة في المادتين 11 و12 على الحق في الحصول على الماء للاستخدامات الشخصية والمنزلية والغذاء، وضرورة التوافر من حيث النوعية والكمية، وأن تتماشى المياه مع معايير منظمة الصحة العالمية.

بالتأكيد نحن نطالب الدولة بتأمين وتوفير مستوى معين وبسيط من الماء، ولا نطالب بتوفير الشروط التي تضمنتها القوانين والمواثيق الدولية، باعتبار الحق في المياه حقًا إنسانيًا كونه ركنًا أساسيًا للبقاء.

ومثلما تعاني مدينة تعز من مشكلة المياه، تعاني أرياف تعز من أزمة مياه أشد فتكًا منذ سنوات طويلة أيضًا.

فنحن في منطقة “الكلائبة”، مديرية المعافر، نعاني من شح شديد في المياه، حيث انعدمت المياه تمامًا في الآبار السطحية التي كنا نعتمد عليها في توفير مياه الشرب والاحتياجات المنزلية. تمر المنطقة حاليًا بوضع مأساوي وكارثي للغاية بسبب عدم توافر المياه، ما يهدد السكان بالهجرة للبحث عن مناطق أكثر أمانًا من حيث توافر المياه.

ونظرًا لوجود إرث ثقافي شعبي يحقر المرأة، ربما تتحمل هي العبء الأكبر في توفير المياه، حيث تنهض باكرًا وتقطع مسافات طويلة تمتد لساعات، لتعود محملة بما تيسر من جالونات الماء التي لا تغطي الاحتياج اليومي.

أعتقد أن “الكلائبة” تعاني من قصور في مستوى الوعي الجمعي قبل أن تكون هناك مشكلة نقص المياه. هذا القصور في مستوى الوعي ولد انقسامات وتجاذبات بين الأطراف، جماعات وأفرادًا، بحيث أصبح كل شخص يهيم على وجهه، وانعدمت الثقة وصار الكل عدوًا للكل.

لم نفلح في “الكلائبة” في استقطاب مشروع واحد حقيقي خدمي أو تعاوني، مثل بئر ارتوازية، بالرغم من معرفة الجميع بأهمية مثل هذا المشروع الإنساني. مع العلم بأن المنطقة، بحسب بعض المهندسين، تخبئ في جوفها مخزونًا مائيًا جيدًا قد يحل مشكلة العجز في المياه بشكل نهائي.

هذه دعوة لأبناء “الكلائبة” بكل أطيافهم الحزبية والسياسية والقبلية للاصطفاف وتغليب مصلحة المنطقة على كل المصالح الجانبية، ووضع حد لمعاناة نسائنا وأمهاتنا وأخواتنا، والعمل على مطالبة السلطة المحلية بإيجاد مشروع بئر ارتوازية لمعالجة هذه المشكلة.

من عبدالله حمدين

2024/7/15

الوحيز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى